كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 2)

«صَالَحَ قُرَيْشًا عَلَى وَضْعِ الْقِتَالِ عَشْرَ سِنِينَ» وَالْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ، فَيُهَادِنَهُمْ حَتَّى يَقْوَوْا (بِعِوَضٍ) مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، (وَغَيْرُهُ) بِحَسْب الْمَصْلَحَةِ، لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَتُسَمَّى مُهَادَنَةٌ وَمُوَادَعَةٌ) مِنْ الدَّعَةِ، (وَمُعَاهَدَةً) مِنْ الْعَهْدِ بِمَعْنَى الْأَمَانِ، (وَمُسَالَمَةً) مِنْ السِّلْمِ بِمَعْنَى الصُّلْحِ، لِحُصُولِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْكُفَّارِ

(وَمَتَى زَالَ مَنْ عَقَدَهَا) ، أَيْ: الْهُدْنَةَ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ، (لَزِمَ) الْإِمَامَ (الثَّانِي الْوَفَاءُ) بِمَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ عَقَدَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ، كَمَا لَا يَنْقُضُ حَاكِمٌ حُكْمَ غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ فِيهِ، لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَعَ جُمْلَةِ الْكُفَّارِ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْطِيلَ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الْمُهَادَنِ أَهْلُهَا وَفِيهِ افْتِئَاتٌ عَلَى الْإِمَامِ (وَلَا تَصِحُّ) الْهُدْنَةُ (إلَّا حَيْثُ جَازَ تَأْخِيرُ جِهَادٍ) لِمَصْلَحَةٍ، (فَمَتَى رَأَى) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (مَصْلَحَةً كَضَعْفِنَا) عَنْ الْقِتَالِ، أَوْ كَانَ فِي الْغَزْوِ مَشَقَّةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ، (أَوْ طَمَعٌ فِي إسْلَامِهِمْ) نَصًّا، قَطَعَ بِهِ فِي " شَرْحِ الْمُنْتَهَى " وَغَيْرِهِ، (وَلَوْ بِمَالٍ مِنَّا ضَرُورَةً) مِثْلُ أَنْ يَخَافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْهَلَاكَ أَوْ الْأَسْرَ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَسِيرِ فِدَاءُ نَفْسِهِ بِالْمَالِ، فَكَذَا هُنَا وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ صَغَارٌ فَهُوَ دُونَ صَغَارِ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ الْمُفْضِي إلَى كُفْرِهِمْ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي " الْمَغَازِي " عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ يَعْنِي يَوْمَ الْأَحْزَابِ: أَرَأَيْت إنْ جَعَلْتُ لَك ثُلُثَ ثَمَرِ الْأَنْصَارِ، أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَك مِنْ غَطَفَانَ، أَوْ تَخْذُلُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ عُيَيْنَةُ: إنْ جَعَلْتَ الشَّطْرَ فَعَلْتُ» وَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَمَا بَذَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مُدَّةً مَعْلُومَةً) ، لِأَنَّ مَا وَجَبَ: تَقْدِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا (جَازَ، وَإِنْ

الصفحة 586