كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 2)

بِأَذًى إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِ حَرْبٍ، وَحَرُمَ قَتْلُهُمْ وَأَخْذُ مَالِهِمْ وَلَوْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ، وَلَوْ شَرَطْنَا أَنْ لَا نَذُبَّ عَنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ، قَالَهُ فِي " التَّرْغِيبِ ".

(وَلَا تَتَعَيَّنُ) الْجِزْيَةُ، أَيْ: أَخْذُهَا (مِنْ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، بَلْ) يُؤْخَذُ مِنْ (كُلِّ الْأَمْتِعَةِ بِالْقِيمَةِ) ، لِحَدِيثِ «مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ، ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (وَيَجُوزُ أَخْذُ ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) عَنْ جِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ إذَا (تَوَلَّوْا بَيْعَهُمَا وَقَبَضُوهُ) ، أَيْ: الثَّمَنَ، لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي نُقِرُّهُمْ عَلَى اقْتِنَائِهَا كَثِيَابِهِمْ، وَلَوْ بَذَلُوهَا فِي ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَدَلِ مُتْلَفٍ، جَازَ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُهَا، وَطَابَتْ لَهُ.

(وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ (عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ سَنَةٍ) هِلَالِيَّةٍ كَالزَّكَاةِ، لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، (فَإِنْ انْقَضَتْ سُنُونَ) وَلَمْ تُؤْخَذْ، (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا مُفَرَّقَةً) ، أَيْ: كُلُّ سَنَةٍ عَلَى حِدَةٍ، لِئَلَّا يَفُوتَ صَغَارُ سَنَةٍ مِنْ السِّنِينَ وَلَا تَتَدَاخَلُ، لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي كُلِّ حَوْلٍ، أَشْبَهَ الزَّكَاةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَلَا يَتَدَاخَلُ صَغَارٌ) ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ أَخْذِ كُلِّ سَنَةٍ.

(وَيُمْتَهَنُونَ) ، أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ وُجُوبًا (عِنْدَ أَخْذِهَا) ، أَيْ: الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، (وَيُطَالُ قِيَامُهُمْ وَتُجَرُّ أَيْدِيهِمْ) : لِقَوْلِهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (وَ) يَقْبِضُهَا (الْآخِذُ) مِنْهُمْ وَهُوَ (جَالِسٌ) ، قَالَ فِي " الْمُبْدِعِ ": وَظَاهِرُهُ: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُسْتَحَقَّةٌ، (وَلَا يُقْبَلُ) مِمَّنْ عَلَيْهِ جِزْيَةٌ (إرْسَالُهَا) ، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ.
(وَلَيْسَ لِمُسْلِمٍ تَوْكِيلٌ) ، أَيْ: أَنْ يَتَوَكَّلَ عَنْهُمْ (فِي أَدَائِهَا وَلَا) فِي (ضَمَانِهَا، وَلَا أَنْ يُحِيلَ مَنْ) ، أَيْ: ذِمِّيًّا وَجَبَتْ، (هِيَ) ، أَيْ: الْجِزْيَةُ (عَلَيْهِ بِهَا) ، لِفَوَاتِ الصَّغَارِ، (وَلَا يُعَذَّبُونَ) ، أَيْ أَهْلُ الذِّمَّةِ (فِي

الصفحة 599