كتاب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (اسم الجزء: 2)

لِرَجَاءِ إسْلَامٍ) ، فَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَادَ يَهُودِيًّا، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّهُ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

(وَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) لَا يَعْلَمُهُ ذِمِّيًّا، (ثُمَّ عَلِمَهُ) ذِمِّيًّا، (سُنَّ قَوْلُهُ) لَهُ (جَهْرًا: رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي) ، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَافِرٌ، فَقَالَ: رُدَّ عَلَيَّ مَا سَلَّمْت عَلَيْك، فَرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَكْثَرَ اللَّهُ مَالَك وَوَلَدَك، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَكْثَرُ لِلْجِزْيَةِ.

(وَإِنْ سَلَّمَ ذِمِّيٌّ) عَلَى مُسْلِمٍ، (لَزِمَ) الْمُسْلِمَ. (رَدُّهُ، فَيُقَالُ) فِي رَدِّهِ: (وَعَلَيْكُمْ) أَوْ: عَلَيْكُمْ، بِلَا وَاوٍ، وَبِهَا أَوْلَى، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «نُهِينَا، أَوْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَزِيدَ أَهْلَ الذِّمَّةِ عَلَى: وَعَلَيْكُمْ» (وَيَكْتُبُ) الْمُسْلِمُ (فِي كِتَابٍ لِكَافِرٍ: سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى) ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى جَامِعٌ.

(وَإِنْ شَمَّتَهُ) ، أَيْ: الْمُسْلِمَ الْعَاطِسَ (كَافِرٌ أَجَابَهُ) الْمُسْلِمُ بِهَدَاكَ اللَّهُ، لِأَنَّ طَلَبَ الْهِدَايَةِ لَهُمْ جَائِزٌ.

(وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ وَتَشْمِيتُهُ) ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ عَقِيلٍ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى: «إنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.

(وَ) يُكْرَهُ (تَعَرُّضٌ لِمَا يُوجِبُ مَوَدَّةً بَيْنَهُمَا) ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22] الْآيَةَ.

الصفحة 609