كتاب النفح الشذي شرح جامع الترمذي ط الصميعي (اسم الجزء: 2)

* الثاني: أنه لو كانت العلّة في الإمساك عن ذكره ذلك لا طرد من عمل مالك، ولم يذكره في موضع آخر، لكنه قد ذكره في غير هذا الموضع، فعلمنا أن ما أشار إليه ليس بعلّة للإمساك عن ذكره، روى مالك عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة مولى ابن عباس. وقال: أظنّه عن ابن عباس (¬1): أنّه قال: "الذي يصيب أهله قبل أن يفيض، يعتمر ويهدي". فهذه رواية لمالك في "الموطأ" (¬2) مصرح فيها بذكر عكرمة عمل بها مالك (¬3)، وذهب إليها، واختارها على روايته عن أبي الزبير المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس: إنّه سئل عن رجل وقع على امرأته قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة. وعطاء من أعلم التابعين بالمناسك، ذكر بعضه أبو عمر (¬4).
عكرمة -مولى ابن عباس (¬5) -: من جلّة العلماء، لا يقدح فيه كلام من تكلّم فيه لأنّه لا حجة مع أحد تكلّم فيه، وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه، لأنّ بلغه أنّ سعيد بن المسيّب كان يرميه بالكذب، ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأي الخوارج، وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله.
وقد قال الشافعي -في بعض كتبه-: ونحن نتقي حديث عكرمة.
وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى، والقاسم العمري، وإسحاق بن أبي فروة؛ وهم ضعفاء متروكون، وهؤلاء كانوا أولى أن يتقى حديثهم ولكنّه لم يحتج
¬__________
(¬1) ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة، انظر التمهيد (2/ 26).
(¬2) الموطأ (1/ 384) برقم 159.
(¬3) الموطأ (1/ 384) برقم 155 باب من أصاب أهله قبل أن يفيض.
(¬4) التمهيد (2/ 26).
(¬5) هذا ابتداء كلام ابن عبد البر في عكرمة كما في التمهيد (1/ 27).

الصفحة 80