كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (اسم الجزء: 2)

لا أرب الجسوم، واتخذ منها، وهي السم دواء وقد تتخذ الأدوية من السموم.
وما الاغتباط بما يختلف على تلاشيه المساء والصباح، وهو كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض، فأصبح هشيما تذروه الرياح.
والله يعصم أمير المؤمنين وولاة أمره من تبعاتها التي لابستهم ولابسوها، وأحصاها الله ونسوها، ولك أنت من الله هذا الدعاء حظ على قدر محلك من العناية التي حدثت بصنعك، ومحلك من الولاية التي بسطت من ذرعك.
فخذ هذا الأمر الذي تقلدته أخذ من لم يتعقبه بالنسيان، وكن في رعايته ممن إذا نامت عيناه كان قلبه يقظان؛ وملاكُ ذلك كله في إسباغ العدل الذي جعله الله ثالث الحديث والكتاب، وأغنى بثوابه وحده عن أعمال الثواب؛ وقدر يوما منه بعبادة ستين عاما في الحساب، ولم يأمر به آمر إلا زيد قوة في أمره، وتحصن به من عدوه ومن دهره. ثم يجاء به يوم القيامة وفي يداه كتاب أمان، ويجلس على منبر من نور عن يمين الرحمن؛ ومع هذا فإن مركبه صعب لا يستوي على ظهره إلا من أمسك عنان نفسه قبل إمساك عنانه، وغلبت لمة ملكه على لمة شيطانه. ومن آكد فروضه أن تمحى السير السيئة التي طالت مدد أيامها، ويئس الرعايا من رفع ظلاماتها فلم يجعلوا أمدًا لانحسار ظلامها؛ تلك السير هي المكوس التي أنشأتها الهمم الحقيرة، ولا غنى للأيدي الغنية إذا كانت ذا نفوس فقيرة؛ وكلما زيدت الأموال الحاصلة منها قدراً، زادها الله محقا؛ وقد استمرت عليها العوائد حتى ألحقها الظالمون بالحقوق الموجبة فسموها حقًّا، ولو أن صاحبها أعظم الناس جرما لما أغلظ في عقابه، ومثلت توبة المرأة الغامدية بمتابه؛ وهي أشقى ممن يكون السواد الأعظم له خصما، ويصبح وهو مطالب بما يعلم وبما لم يحط به علما؛ وأنت مأمور بأن تأبى هذه الظلامات فتنهي عن إجرائها، وتلحق أسماءها في المحو بإهمالها؛ حتى لا يبقى لها في العيان صورة منظورة، ولا في الألسنة أحاديث مذكورة.

الصفحة 11