كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (اسم الجزء: 2)

عليه كثيرًا؛ وليست الولاية لمن يستجد بها كثرة اللفيف، ويتولاها بالوطء العنيف؛ ولكنها لمن يمال عن جوانبه، ويؤكل من أطايبه، ولمن إذا غضب لم ير للغضب عنده أثر، وإذا ألحف في سؤاله تخلق بخلق الضجر، وإذا حضر الخصوم بين يديه عدل بينهم في قسمة القول والنظر؛ فذلك الذي يكون لصاحبه في أصحاب اليمين، والذي يدعى بالحفيظ العليم والقوي الأمين.
ومن سعادة المرء أن تكون ولاته متأدبين بآدابه، وجارين على نهج صوابه؛ وإذا تطايرت الكتب يوم القيامة كانوا حسنات مثبتة في كتابه.
وبعد هذه الوصية، فإن ههنا حسنة هي للحسنات كالأم الولود؛ ولطالما أغنت عن صاحبها إغناء الجود، وتيقظت لنصره والعيون رقود؛ وهي التي تسبغ لها الآلاء، ولا يتخطاها البلاء، ولأمير المؤمنين عناية تبعثها الرحمة الموضوعة في قلبه، والرغبة في المغفرة والرحمة لما تقدم وتأخر من ذنبه. وتلك هي الصدقة التي فضل الله بعض عباده بمزية إفضالها، وجعلها سببا إلى التعويض عنها بعشر أمثالها؛ وهو يأمرك أن تفقد أحوال الفقراء الذين قدرت عليهم مادة الأرزاق،
وألبسهم التعفف ثوب الغنى وهم في ضيق من الإملاق؛ فأولئك أولياء الله الذين مستهم الضراء فصبروا، وكثرت الدنيا في يد غيرهم فما نظروا إليها إذا نظروا. وينبغي لك أن تهيئ لهم من أمرهم مرفقًا، وتضرب بينهم وبين الفقر موبقا.
وما أطلنا لك القول في هذه الوصية إلا إعلاما بأنها من المهم الذي يستقبل ولا يستدبر، ويستكثر منه ولا يستكبر؛ وهذا يعد من جهاد النفس في بذل المال، ويتلوه جهاد الكافر في مواقف القتال؛ وأمير المؤمنين يعرفك من ثوابه ما يجعل السيف في ملازمته أخا، وتسخو له بنفسك إن كان أحد بنفسه سخا. ومن صفاته أن العمل المحبوب بفضل الكرامة، الذي ينمو أجره بعد صاحبه إلى يوم القيامة، وبه يمتحن طاعة

الصفحة 13