كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (اسم الجزء: 2)

مدة الأعمار، فإذا أشرعت قيل: جبال متلفعة بقطع من الغيوم، وإذا نظر إلى أشكالها قيل: أهلة غير أنها تهتدي في مسيرها بالنجوم، ومثل هذه الخيل ينبغي أن يغالي من جيادها، ويستكثر من قيادها، وليؤمر عليها أمير يلقى البحر بمثله من سعة صدره، ويسلك طرقه سلوك من لم تقتله بجهلها، ولكن قتلها بخبره؛ وكذلك فليكن ممن أفنت الأيام تجاربه، وزحمتها مناكبه، وممن بذل الصعب إذا هو ساسه وإن سيس؛ لأن جانبه، وهذا هو الرجل الذي يرأس على القوم فلا يجد هذه بالرياسة، فأن كان في الساقة ففي الساقة أو كان في الحراسة ففي الحراسة. ولقد أفلحت عصابة اعتصمت من ورائه، وأيقنت بالنصر من رايته كما أيقنت بالنجح من رأيه.
واعلم أنه قد أخل من الجهاد بركن يقدح في علمه، وهو تمامه الذي يأتي في آخره كما أن صدق النية تأتي في أوله؛ وذلك هو قسم الغنائم فإن الأيدي قد تناوله بالإجحاف، وخلطت جهادها فيه بفلولها فلم ترجع بالكفاف. والله قد جعل الظلم في تعدي حدوده المحدودة، وجعل الاستئثار بالمغنم من أشراط الساعة الموعودة؛ ونحن نعوذ به أن يكون زماننا هذا شر زمان وناسه شر ناس، ولم يستخلفنا على حفظ أركان دينه، ثم نهمله إهمال مضيع ولا إهمال ناس.
والذي نأمرك به أن تجري هذا الأمر على المنصوص من حكمه، وتبرئ ذمتك مما يكون غيرك الفائز بفوائده وأنت المطالب بإثمه، وفي أرزاق المجاهدين بالديار المصرية، والشامية ما يغنيهم عن هذه الأكلة التي تكون غدًا نكالا وجحيما، وطعامًا ذا غصة وعذابا أليمًا.
فتصفح ما سطرناه لك من هذه الأساطير التي هي عزائم مبرمات، بل آيات محكمات، وتحبب إلى الله وإلى أمير المؤمنين باقتفاء كتابها، وابن لك بها مجدًا يبقى في

الصفحة 15