كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (اسم الجزء: 2)

ووسعت كل شيء رحمته، وظهرت في كل أمر حكمته، ودل على وحدانيته بعجائب ما أحكم صنعًا وتدبيرًا، وخلق كل شيء فقدره تقديرا، ممد الشاكرين بنعمائه التي لا تحصى عددا، وعالم الغيب الذي لا يظهر على غيبه أحدًا؛ لا معقب لحكمه في الإبرام والنقض، ولا يئوده حفظ السموات والأرض، تعالى أن يحيط به الضمير، وجل أن يبلغ وصفه البيان والتفسير؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وأحمد الله الذي أرسل محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وابتعثه هاديًا للخلق، وأوضح به مناهج الرشد وسبل الحق، واصطفاه من أشرف الأنساب وأعز القبائل، وجعله أعظم الشفعاء وأقرب
الوسائل، فقذف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق على الباطل، وحمل الناس بشريعته على المحجة البيضاء والسنن العادل؛ حتى استقام اعوجاج كل زائغ، ورجع إلى الخلق كل حائد عنه ومائل، وسجد لله كل شيء تتفيأ ظلاله على اليمين والشمائل؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام الأفاضل، صلاة مستمرة بالغدوات والأصائل، وخصوصا على عمه وصنو أبيه العباس بن عبد المطلب الذي اشتهرت مناقبه في المجامع والمحافل، ودرت ببركة استسقائه (¬1) أخلاف السحب الهواطل، وفاز من تنصيص الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخلافة المعظمة بما لم يفز به أحد من الأوائل.
والحمد لله الذي حاز مواريث النبوَّة والإمامة، ووفر من جزيل الأقسام من الفضل والكرامة، لعبده وخليفته، ووارث نبيه ومحيي شريعته وسنته.
ولما وفق الله نصير الدين محمد بن سيف الدين أبي بكر بن أيوب من الطاعة المشهورة، والخدم المشكورة، أنعم عليه بتقليد شريف إمامي، فقلده على خيرة الله الرعاية والصلاة وأعمال الحرب والمعاون والأحداث والخراج والضياع والصدقات والجوالي وسائر وجوه الجبايات، والقرض والعطاء، والنفقة في الأولياء، والمظالم
¬_________
(¬1) صبح الأعشى: "الاستسقاء به"

الصفحة 26