كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (اسم الجزء: 2)

حبلاً من مسد؛ وقلت ليده: تبت، فأصبح ولا يسعى بقدم ولا يبطش بيد. وكذلك فعلت بالآخر الذي نجمت باليمن ناجمته، وسامت فيه سائمته؛ فوضع بيته موضع (¬1) الكعبة اليمانية، وقال: هذا هو الخلصة الثانية. فأي مقامك يعترف الإسلام بسبقه، أم أيهما يقوم بأداء حقه.
وها هنا فليصبح القلم للسيف من الحساد، وليقصر مكانته عن مكانته وقد كان له من الأنداد، ولم يحط بهذه المزية إلا أنه أصبح لك صاحبا، وفخر بك حتى طال فخرا كما عز جانبًا، وقضى بولايتك فكان بها قاضيا، لما كان حده ماضيًا.
وقد قلدك أمير المؤمنين البلاد المصرية واليمنية غورًا ونجدًا، وما اشتملت عليه رعية وجندا، وما انتهت إليه أطرافها برًّا وبحرا، وما يستنقذ من مجاوريها مسالمة وقهرا. وأضاف إليها بلاد الشام وما تحتوي عليه من المدن الممدنة، والمراكز المحصنة مستثنيا منها ما هو بيد نور الدين إسماعيل بن نور الدين محمود -رحمه الله وهو حلب وأعمالها؛ فقد مضى أبوه عن آثار في الإسلام ترفع ذكره في الذاكرين، وتخلفه في عقبه في الغابرين، وولده هذا قد هذبته الفطرة في القول والعمل، وليست هذه الربوة إلا من ذلك الجبل؛ فليكن له منك جار يدنو منه ودادًا كما دنا أرضا، وتصبح وهو له كالبنيان يشد بعضه بعضا؛ والذي قدمناه من الثناء عليك ربما تجاوزتك درجة الاقتصاد، وألقتك عن فضيلة الازدياد. فإياك أن تنظر إلى سعيك نظر الإعجاب، فتقول: هذه بلادنا افتتحتها بعد أن أضرب عنها كثير من الأضراب. ولكن أعلم أن الأرض لله ولرسوله، ثم لخليفته من بعده، ولا منة للعبد بإسلامه، بل المنة لله بهداية عبده. وكم سلف قبلك ممن لو رام ما رمته لدنا شاسعه وأجاب مانعه؛ لكن ذخره الله لك لتحظى في الآخرة بمفازه، وفي الدنيا برقم طرازه. فألق بيدك عند هذا القول إلقاء
¬_________
(¬1) ح: "بموضع".

الصفحة 9