كتاب خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي (اسم الجزء: 2)

ذكر المبالغة:
بالغ وقل كم جلا بالنور ليل وغى ... والشهب قد رمدت من عثير الدهم1
المبالغة نوع معدود من محاسن هذا الفن عند الجمهور، واستدلوا على ذلك بقول من قال: أحسن الشعر أكذبه، وبقول النابغة الذبياني: أشعر الناس من استجيد كذبه، وضحك من رديئه. واستدلوا أيضًا برد النابغة المذكور على مثل حسان بن ثابت، في قوله:
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما2
والرد الذي رده النابغة على هذا البيت في ثلاثة مواضع: الأول منها أنه قال له: قلت لنا الجفنات والجفنات تدل على قليل، فلا فخر لك ولا مبالغة إذا كان في ساحتك ثلاث جفان أو أربع. والثاني: أنك قلت: يلمعن، واللمعة بياض قليل ليس في كبير شانٍ. والثالث: أنك قلت في السيوف: يقطرن، والقطرة تكون للقليل فلا تدل على فرط نجدة، ولا مبالغة.
وترشيح جانب المبالغة مذهب ابن رشيق، في العمدة، ومنهم من لم يَعُدَّ المبالغة من حسنات الكلام، ومشى في ذلك على مذهب حسان بن ثابت -رضي الله عنه- فإنه قال:
وإنما الشعر عقل المرء يعرضه ... على الأنام فإن كيسا وإن حمقا3
__________
1 الوغى: الحرب -رمدت: صار لونها شبيهًا بلون الرماد -العثير: الغبار- الدهم: جمع أدهم وهو من الخيل الأسود.
2 الجفنات: واحدتها الجفنة وهي القصعة وعاء كبير يطبخ فيه.
3 الكيس: اللباقة والحذاقة.

الصفحة 7