كتاب خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي (اسم الجزء: 2)

ومنه قوله:
إني لأشهد للحمى بفضيلة ... من أجلها أصبحت من عشاقه
ما زاره أيام نرجسه فتى ... إلا وأجلسه على أحداقه
وتلاعب المتأخرون بهذه النكتة كثيرًا.
ومنه قوله:
ألا رب يوم قد تقضى ببركة ... أقمت بها فيما جرى متفكرًا
بعيني رأيت الماء فيها وقد هوى ... على رأسه من شاهق فتكسرا1
ومثله قوله:
يا حسنه من جدول متدفق ... يلهي برونق حسنه من أبصرا
ما زلت أنظره عيونًا حوله ... خوفًا عليه أن يصاب فيعثرا
فأبى وزاد تماديًا في جريه ... حتى هوى من شاهق فتكسرا
وتورية تكسر تلاعب بها الناس بعد ابن تميم كثيرًا. ومن نكته البديعة الغريبة قوله:
لو كنت تشهدني وقد حمى الوغى ... في موقف ما الموت عنه بمعزل
لترى أنابيب القناة على يدي ... تجري دمًا من تحت ظل القسطل2
ومن لطائف نكته قوله:
قالوا رأيناك كل وقت ... تهيم بالشرب والغناء
إني فتى قنوع ... أعيش بالماء والهواء
ومنه قوله:
حاذر أصابع من ظلمت فإنه ... يدعو بقلب في الدجى مكسور
فالورد ما ألقاه في جمر الغضى ... إلا الدعا بأصابع المنثور3
ومن لطائف نكته وقد تقدم معناها، ولكن حلا مكررها هنا بقوله:
تأمل إلى الدولاب والنهر إذ جرى ... ودمعهما بين الرياض غزير
كأن نسيم الروض قد ضاع منهما ... فأصبح ذا يجري وذاك يدور
__________
1 "بعيني" في الأصل "بعني" ونظنه من خطأ النسّاخ.
2 الأنابيب: جمع أنبوب وهو جسم الرمح، والقناة: الرماح. القسطل: الغبار الكثيف.
3 جمر الغضى: يضرب به المثل في شدة الحرارة وهو جمر شجر يدوم طويلًا.

الصفحة 80