كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الدَّلِيلُ لَا يَكُونُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْقَطْعِيَّةَ عِنْدَهُمْ وَلَا الْإِجْمَاعَ لِلدُّورِ بَقِيَ الدَّلِيلُ الَّذِي هُوَ الْوَحْيُ فَصَارَ كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَالَ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيَّ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ، وَإِذَا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ كَانَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ وَحْيًا مُتَوَاتِرًا، عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الَّذِي نَدَّعِي أَنَّهُ حُجَّةٌ أَخَصُّ الْإِجْمَاعَاتِ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ وَقَوْمًا قَالُوا: إجْمَاعُ الْعِتْرَةِ حُجَّةٌ، وَنَحْنُ لَا نَكْتَفِي بِهَذَا بَلْ نَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِمْ الْعِتْرَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ فَأَدِلَّتُهُمْ تَدُلُّ عَلَى مَطْلُوبِنَا وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ قَدْرَ شِبْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQخَالَفُوا فِي الظَّنِّيِّ قِيَاسًا كَانَ أَوْ خَبَرَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُجَوِّزُوا الْإِجْمَاعَ إلَّا عَلَى قَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ فَلَا يُبْتَنَى إلَّا عَلَى قَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ.
وَجَوَابُهُ أَنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى دَلِيلٍ أَيْ: سَنَدِهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لِذَاتِهِ كَرَامَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَاسْتِدَامَةً لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ كَوْنُ السَّنَدِ قَطْعِيًّا لَوَقَعَ الْإِجْمَاعُ لَغْوًا ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ قَطْعًا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ. فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْإِجْمَاعُ عَنْ قَطْعِيٍّ أَصْلًا لِوُقُوعِهِ لَغْوًا. قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ كَوْنُ السَّنَدِ قَطْعِيًّا لَكَانَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ لَغْوًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ حُكْمًا وَلَا يُوجِبُ أَمْرًا مَقْصُودًا فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ إذْ التَّأْكِيدُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ أَصْلِيٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ، فَإِنَّ السَّنَدَ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا فَهُوَ يُفِيدُ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ، وَإِذَا كَانَ قَطْعِيًّا فَهُوَ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ كَمَا فِي النُّصُوصِ الْمُتَعَاضِدَةِ عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ، فَلَا يَكُونُ لَغْوًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِي جَوَازِ كَوْنِ السَّنَدِ قَطْعِيًّا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ عَلَى حُكْمٍ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَظَاهِرٌ الْبُطْلَانَ، وَكَذَا إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْحُكْمَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّابِتِ مُحَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا النَّاقِلُ) نَقْلُ الْإِجْمَاعِ إلَيْنَا قَدْ يَكُونُ بِالتَّوَاتُرِ فَيُفِيدُ الْقَطْعَ وَقَدْ يَكُونُ بِالشُّهْرَةِ فَيَقْرُبُ مِنْهُ وَقَدْ يَكُونُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَيُفِيدُ الظَّنَّ، وَيُوجِبُ الْعَمَلَ لِوُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ بِالدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ. قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ: وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ إجْمَاعًا وَذَلِكَ فِيمَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا فِيمَا نُقِلَ عَنْ الْأُمَّةِ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَلَمْ يَدُلَّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ صِحَّةُ الْقِيَاسِ فِي إثْبَاتِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَلَسْنَا نَقْطَعُ بِبُطْلَانِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ، وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّ نَقْلَ الظَّنِّيِّ مَعَ تَخَلُّلِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ النَّاقِلِ وَالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُوجِبُ الْعَمَلَ فَنَقْلُ الْقَطْعِ أَوْلَى، وَأُجِيبُ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إنَّمَا يَكُونُ ظَنِّيًّا بِوَاسِطَةِ شُبْهَةٍ فِي النَّاقِلِ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْأَصْلِ قَطْعِيٌّ كَالْإِجْمَاعِ بَلْ أَوْلَى إذْ لَا شُبْهَةَ لِأَحَدٍ فِي أَنَّ الْخَبَرَ الْمَسْمُوعَ

الصفحة 103