كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» وَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» فَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُ حُجَّةٌ قَدْ وَصَلَتْ إلَى الْعُلَمَاءِ بِحَيْثُ تُوجِبُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ.

ثُمَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ: إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ثُمَّ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِيمَا لَمْ يُرْوَ فِيهِ خِلَافُ الصَّحَابَةِ ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ فِيمَا رُوِيَ خِلَافُهُمْ فَهَذَا إجْمَاعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَفِي مِثْلِ هَذَا الْإِجْمَاعِ يَجُوزُ التَّبْدِيلُ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَفِي عَصْرَيْنِ وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي ثَبَتَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إجْمَاعٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا.

وَأَمَّا الْخَامِسُ فَفِي السَّنَدِ وَالنَّاقِلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَوْ الْقِيَاسَ عِنْدَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حُجَّةٌ قَطْعًا

[الرُّكْنُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ]
(قَوْلُهُ: الرُّكْنُ الرَّابِعُ فِي الْقِيَاسِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ وَالْمُسَاوَاةُ يُقَالُ قِسْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ أَيْ: قَدَّرْتهَا بِهَا وَفُلَانٌ لَا يُقَاسُ بِفُلَانٍ أَيْ: لَا يُسَاوَى وَقَدْ تَعَدَّى بِعَلَى بِتَضْمِينِ مَعْنَى الِابْتِنَاءِ كَقَوْلِهِمْ قَاسَ الشَّيْءَ عَلَى الشَّيْءِ، وَفِي الشَّرْعِ: مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمٍ مَطْلُوبٍ بِهِ، وَلَهُ مَحَلُّ ضَرُورَةٍ، وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِثُبُوتِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ يُقَاسُ هَذَا بِهِ، فَكَانَ هَذَا فَرْعًا وَذَلِكَ أَصْلًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ، وَابْتِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْئَيْنِ بَلْ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ فِي الْحُكْمِ، وَيُسَمَّى عِلَّةَ الْحُكْمِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِثْلِهَا فِي الْفَرْعِ إذْ ثُبُوتُ عَيْنِهَا فِيهِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الشَّخْصِيَّ لَا يَقُومُ بِمَحَلَّيْنِ، وَبِذَلِكَ يَحْصُلُ الظَّنُّ مِثْلَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّهُ تَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَعْدِيَةِ الْحُكْمِ لِاسْتِحَالَةِ الِانْتِقَالِ عَلَى الْأَوْصَافِ وَلَوْ سُلِّمَ فَيَلْزَمُ عَدَمُ بَقَاءِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ لِانْتِقَالِهِ عَنْهُ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالثَّابِتُ فِي الْفَرْعِ لَا يَكُونُ حُكْمَ الْأَصْلِ بَلْ مِثْلَهُ ضَرُورَةَ تَعَدُّدِ الْأَوْصَافِ بِتَعَدُّدِ الْمَحَالِّ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - زَادَ تَقْيِيدَ الْعِلَّةِ بِمَا لَا يُدْرَكُ بِمُجَرَّدِ اللُّغَةِ احْتِرَازًا عَنْ دَلَالَةِ النَّصِّ وَفَسَّرَ تَعْدِيَةَ حُكْمِ الْأَصْلِ بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ مِثْلَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِبَعْضِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ عَلَى مَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ) فَإِنْ قُلْت تَفْسِيرُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِالْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَالْمَقِيسُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ لَتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهِمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِيَاسِ قُلْتُ لَيْسَ هَذَا تَفْسِيرًا لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَلْ بَيَانًا لِمَا صَدَقَا عَلَيْهِ أَيْ: الْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْمَحَلُّ الَّذِي يُسَمَّى مَقِيسًا عَلَيْهِ لَا نَفْسَ الْحُكْمِ، وَلَا دَلِيلَهُ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْبَعْضِ، وَكَذَا فِي الْفَرْعِ مَثَلًا إذَا قِسْنَا الذُّرَةَ عَلَى الْبُرِّ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا فَالْأَصْلُ هُوَ الْبُرُّ، وَالْفَرْعُ هُوَ الذُّرَةُ لِابْتِنَائِهَا عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، لَا يُقَالُ فَيَخْرُجُ عَنْ التَّعْرِيفِ قِيَاسُ الْمَعْدُومِ عَلَى الْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعَ مَا يُبْتَنَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمَعْدُومُ

الصفحة 104