كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

طَاعَةُ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا الْمَحْكُومُ بِهِ.
(وَلَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِي دَرْكِهَا) كَالْمُقَدَّرَاتِ مِثْلَ أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَسَائِرِ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِي دَرْكِهَا. (بِخِلَافِ أَمْرِ الْحَرْبِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ لَا يُمْكِنُ هُنَا، وَهِيَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَهِيَ تُدْرَكُ بِالْحِسِّ أَوْ الْعَقْلِ) فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ أَمْرِ الْحَرْبِ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَصِحُّ فِيهَا الْقِيَاسُ وَالْعَمَلُ بِالرَّأْيِ اتِّفَاقًا فَصَحَّ ثُبُوتُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِالْقِيَاسِ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ الْمَذْكُورِ.
(وَكَذَا أَمْرُ الْقِبْلَةِ) أَيْ: يُدْرَكُ بِالْحِسِّ أَوْ الْعَقْلِ أَوْ بِالسَّفَرِ أَوْ بِمُحَاذَاةِ الْكَوَاكِبِ وَنَحْوِهِمَا، (وَالِاعْتِبَارُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّعَاظِ بِالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ) اعْلَمْ أَنَّ النَّصَّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِلْقَائِسِينَ هُوَ قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وَالْمُرَادُ بِالِاعْتِبَارِ الِاتِّعَاظُ بِالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ.
(وقَوْله تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] مَحْمُولٌ عَلَى الْحَرْبِ) أَيْ: إنْ تَمَسَّكَ بِهَا أَحَدٌ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ نَقُولُ إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَمْرِ الْحَرْبِ.
(وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] الْآيَةَ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَاللَّفْظُ عَامٌّ يَشْمَلُ الِاتِّعَاظَ، وَكُلَّ مَا هُوَ رَدُّ الشَّيْءِ إلَى نَظِيرِهِ أَيْ: الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ لِنَظِيرِهِ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْعُبُورِ وَالتَّرْكِيبِ يَدُلُّ عَلَى التَّجَاوُزِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِوُجُودِ السَّبَبِ يُوجِبُ الْحُكْمَ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ مَعْنَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَاءَ بَلْ صَرِيحَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا يَقْتَضِي الْعِلِّيَّةَ التَّامَّةَ حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ وُجُوبِ الِاتِّعَاظِ. هَذِهِ الْقِصَّةُ السَّابِقَةُ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ وُجُودَ السَّبَبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْقِيقِ مِمَّا يَشُكُّ فِيهِ الْأَفْرَادُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِنْ دَلَالَةِ النَّصِّ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا عُمُومَ فِي الْآيَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَقَدْ خُصَّ مِنْهُ مَا يَنْتَفِي فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ وَمَا تَعَارَضَتْ فِيهِ الْأَقْيِسَةُ، وَصِيغَةُ الْأَمْرِ تَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَغَيْرَهُ، وَالْمَرَّةَ وَالتَّكْرَارَ وَالْخِطَابَ مَعَ الْحَاضِرِينَ فَقَطْ وَالتَّقْيِيدَ بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْعَمَلِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ بِكُلِّ قِيَاسٍ صَحِيحٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟ .
وَجَوَابُهُ أَنَّ اعْتَبِرُوا فِي مَعْنَى افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ وَتَخْصِيصُ الْبَعْضِ بِالْفِعْلِ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ قَطْعِيًّا، وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ فَالْإِطْلَاقُ كَافٍ وَلَفْظُ {أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] يَعُمُّ الْمُجْتَهِدِينَ بِلَا نِزَاعٍ وَلَا عِبْرَةَ بِبَاقِي الِاحْتِمَالَاتِ، وَإِلَّا لَمَا صَحَّ التَّمَسُّكُ بِشَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ) الظَّاهِرُ: أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ عِنْدَ انْتِفَائِهَا لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقُلْ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ جَوَازَ الْبَيْعِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الصِّفَةِ مُنْتَفِيًا بِحُكْمِ

الصفحة 109