كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

(وَالْعَمَلُ بِالْأَصْلِ) أَيْ: فِي الِاسْتِصْحَابِ (عَمَلٌ بِلَا دَلِيلٍ) ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّيْءِ أَيْ: عَدَمَهُ فِي زَمَانٍ لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهِ، فَإِنَّ الْمُمْكِنَاتِ تُوجَدُ بَعْدَ الْعَدَمِ وَتُعْدَمُ بَعْدَ الْوُجُودِ.
(وَ {قُلْ لا أَجِدُ} [الأنعام: 145] لَيْسَ أَمْرًا بِهِ) أَيْ: بِالْعَمَلِ بِالْأَصْلِ (بَلْ الْعَمَلُ بِالنَّصِّ) أَيْ: بَلْ هُوَ أَمْرٌ بِالْعَمَلِ بِالنَّصِّ (وَهُوَ {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فَكُلُّ مَا لَمْ يُوجَدْ حُرْمَتُهُ فِيمَا أُوحِيَ إلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَكُونُ حَلَالًا بِقَوْلِهِ {خَلَقَ لَكُمْ} [البقرة: 29] الْآيَةَ، وَنَحْنُ نَقُولُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نُحَرِّمَ شَيْئًا مِمَّا فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ.
(وَالظَّنُّ كَافٍ لِلْعَمَلِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُهُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ (وَهُوَ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّهِ تَعَالَى بِإِذْنِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ: بِالْقِيَاسِ (فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ) ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ فِي دَرْكِهَا.

(فَصْلٌ فِي شَرْطِهِ) أَيْ: شَرْطِ الْقِيَاسِ. اعْلَمْ أَنَّ لِلْقِيَاسِ أَرْبَعَةَ شَرَائِطَ أَوَّلَهَا: (أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ) أَيْ: الْمَقِيسِ عَلَيْهِ (مَخْصُوصًا بِهِ) أَيْ: بِالْأَصْلِ بِنَصٍّ آخَرَ (كَشَهَادَةِ) خُزَيْمَةَ (وَالْأَحْكَامِ الْمَخْصُوصَةِ بِالنَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَتَحْلِيلِ تِسْعِ زَوْجَاتٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ) أَيْ: حُكْمُ الْأَصْلِ (مَعْدُولًا عَنْ الْقِيَاسِ) هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي (وَهُوَ إمَّا بِأَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْعَقْلُ كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، أَوْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى عَنْ سُنَنِهِ كَأَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّهُ يُنَافِي رُكْنَ الصَّوْمِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQقِيسَ الذُّرَةُ عَلَى الْحِنْطَةِ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا بِعِلَّةِ الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ ثُمَّ أُرِيدَ قِيَاسُ شَيْءٍ آخَرَ عَلَى الذُّرَةِ، فَإِنْ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ أَعْنِي: الْكَيْلَ وَالْجِنْسَ كَانَ ذِكْرُ الذُّرَةِ ضَائِعًا وَلَزِمَ قِيَاسُهُ عَلَى الْحِنْطَةِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ عَلَى الذُّرَةِ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ) أَيْ: لَا يُغَيَّرُ فِي الْفَرْعِ حُكْمُ الْأَصْلِ مِنْ إطْلَاقِهِ أَوْ تَقْيِيدِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّغْيِيرُ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ وَبِاعْتِبَارِ صَيْرُورَتِهِ ظَنِّيًّا فِي الْفَرْعِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا فَرْعٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَدَّى حُكْمًا مَوْصُوفًا بِمَا ذُكِرَ مُعَدًّى إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ تَعَلُّقُهُ بِالْمُعَدَّى الْمَذْكُورِ.
أَمَّا لَفْظًا فَلِلْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْفَرْعِ نَظِيرَ الْأَصْلِ، وَالِاشْتِرَاطُ كَوْنُ الْأَصْلِ حُكْمًا مَوْصُوفًا بِمَا ذُكِرَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُعَدَّى إلَى فَرْعٍ هُوَ نَظِيرُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا ثَابِتًا بِأَحَدِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ) يَعْنِي: إذَا وُضِعَ لَفْظٌ لِمُسَمًّى مَخْصُوصٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ لَنَا أَنْ نُطْلِقَ ذَلِكَ اللَّفْظَ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ حَقِيقَةً سَوَاءٌ كَانَ الْوَضْعُ لُغَوِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا أَوْ عُرْفِيًّا، وَذَلِكَ كَإِطْلَاقِ الْخَمْرِ عَلَى الْعَقَارِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ. احْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِالدَّوَرَانِ، وَالْإِلْحَاقِ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الدَّوْرَانِ صُلُوحُ الْعِلِّيَّةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ هَاهُنَا فَإِنَّ عِلَّةَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى حَقِيقَةً هُوَ الْوَضْعُ

الصفحة 114