كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الِافْتِتَاحِ) أَيْ: غَيَّرْتُمْ النَّصَّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] بِالتَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ نَحْوَ اللَّهُ أَجَلُّ وَنَحْوَهُ (وَفِي إزَالَةِ الْخَبَثِ بِغَيْرِ الْمَاءِ) أَيْ: غَيَّرْتُمْ النَّصَّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمَاءُ طَهُورٌ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُتِّيهِ وَاقْرُصِيهِ ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» .
(قُلْنَا الْمُرَادُ التَّسْوِيَةُ بِالْكَيْلِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْكَثِيرِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّسْوِيَةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالتَّسْوِيَةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا فِي الْمَطْعُومَاتِ التَّسْوِيَةُ بِالْكَيْلِ، وَهِيَ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْكَثِيرِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَعُمُّ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ كَمَا يُقَالُ لَا تَقْتُلُ حَيَوَانًا إلَّا بِالسِّكِّينِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَا تَقْتُلْ حَيَوَانًا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْتَلَ بِالسِّكِّينِ إلَّا بِالسِّكِّينِ فَقَتْلُ حَيَوَانٍ لَا يُقْتَلُ بِالسِّكِّينِ كَالْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ.
(وَإِنَّمَا كَانَ تَغْيِيرًا إذَا كَانَ الْأَصْلُ وَاجِبًا لِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الصَّدَقَةَ حَلَّتْ مَعَ وَسَخِهَا ضَرُورَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ جَوَازِ دَفْعِ الْقِيَمِ) أَيْ: إنَّمَا كَانَ التَّعْلِيلُ فِي دَفْعِ الْقِيَمِ تَغْيِيرًا لِلنَّصِّ إذَا كَانَ الْأَصْلُ وَهُوَ الشَّاةُ مَثَلًا وَاجِبًا لِلْفَقِيرِ لِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لَا حَقَّ لِلْعِبَادِ فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنْ سَقَطَ حَقُّهُ فِي صُورَةِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بِإِذْنِهِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ أَرْزَاقَ الْفُقَرَاءِ بِقَوْلِهِ {إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَعْنَى إقَامَةِ الْخَلَفِ مَقَامَ الْأَصْلِ هُوَ جَعْلُ الْخَلَفِ كَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فَبِاعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْأَصْلِ يَكُونُ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ لَا تَغْيِيرًا أَوْ يَكُونَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ لِكَوْنِهِ مَصِيرًا إلَى الْأَصْلِ دُونَ الْخَلَفِ وَعُدُولًا عَمَّا هُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَعْنِي الْأَجَلَ، وَرُبَّمَا يُجَابُ بِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى عَقْدِ السَّلَمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا عِنْدَهُ مُسْتَحَقٌّ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلشُّرْبِ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ رُبَّمَا يَكُونُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ فِي إحْضَارِ الْمَبِيعِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْرَاضِ فَلَا تَتَعَيَّنُ الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّةُ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا كَانَ تَغْيِيرًا) وَجْهُ السُّؤَالِ أَنَّكُمْ جَوَّزْتُمْ دَفْعَ قِيمَةِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ بِعِلَّةِ دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ تَغْيِيرٌ لِحُكْمِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى وُجُوبِ عَيْنِ الشَّاةِ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ تَغْيِيرَ هَذَا النَّصِّ لَيْسَ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ بِدَلَالَةِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ضَمَانِ أَرْزَاقِ الْعِبَادِ، وَإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، وَصَرْفِهَا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَجِبُ لِلْفُقَرَاءِ ابْتِدَاءً.
وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إلَيْهِمْ إيفَاءً لِحُقُوقِهِمْ، وَإِنْجَازًا لِعِدَةِ أَرْزَاقِهِمْ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ حَوَائِجَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ لَا تَنْدَفِعُ بِنَفْسِ الشَّاةِ مَثَلًا، وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ بِمُطْلَقِ الْمَالِيَّةِ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ حَقَّهُمْ فِي مُطْلَقِ الْمَالِيَّةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ، وَإِلْغَاءِ اسْمِ الشَّاةِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالتَّعْلِيلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ

الصفحة 119