كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

التَّغْيِيرُ مُجَامِعًا لِلتَّعْلِيلِ بِالنَّصِّ لَا بِالتَّعْلِيلِ وَقَدْ قَالَ: أَيْضًا فَصَارَ صَلَاحُ الصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لِلَّهِ بِابْتِدَاءِ الْيَدِ لِيَصِيرَ مَصْرُوفًا إلَى الْفَقِيرِ بِدَوَامِ يَدِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا فِي الشَّاةِ فَعَلَّلْنَاهُ بِالتَّقْوِيمِ وَعَدَّيْنَاهُ إلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ لِلَّهِ تَعَالَى بِابْتِدَاءِ يَدِ الْفَقِيرِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الصَّدَقَةُ تَقَعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي كَفِّ الْفَقِيرِ» .
فَفِي حَالِ ابْتِدَاءِ يَدِ الْفَقِيرِ تَقَعُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي حَالِ بَقَاءِ يَدِ الْفَقِيرِ تَصِيرُ لِلْفَقِيرِ، فَقَوْلُهُ صَلَاحُ الصَّرْفِ أَيْ: صَلَاحُ الْمَحَلِّ، وَهُوَ عَيْنُ الشَّاةِ مَثَلًا لِلصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ، وَقَوْلُهُ لِيَصِيرَ مَصْرُوفًا عِلَّةٌ غَائِيَّةٌ لِلصَّلَاحِ أَيْ: صَلَاحِيَةُ الشَّاةِ لِلصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ لِيَصِيرَ مَصْرُوفًا إلَيْهِ بِدَوَامِ يَدِهِ فَقَوْلُهُ إلَى الْفَقِيرِ يَتَعَلَّقُ بِالصَّرْفِ، وَبِابْتِدَاءِ الْيَدِ يَتَعَلَّقُ بِالْوُقُوعِ، وَلِيَصِيرَ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاحِ، وَبِدَوَامِ يَدِهِ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ مَصْرُوفًا، وَقَوْلُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا خَبَرُ صَارَ فَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الْحُكْمُ الثَّانِي الْمَذْكُورُ وَفِي قَوْلِهِ إنَّ الصَّدَقَةَ وَاقِعَةٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِلَّهِ، وَفِي الْبَقَاءِ مَصْرُوفٌ إلَى الْفَقِيرِ بَيَانُ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَيْسَتْ فِي الِابْتِدَاءِ حَقَّ الْفَقِيرِ حَتَّى يَلْزَمَ تَغْيِيرُ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ مُشْكِلَاتِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ.
(وَذِكْرُ الْأَصْنَافِ لِعَدِّ الْمَصَارِفِ) فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] الْآيَةَ ذَكَرُوا أَنَّ اللَّامَ لِلْعَاقِبَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُ النَّصِّ لَوْ كَانَ اللَّامُ لِلتَّمَلُّكِ فَيَلْزَمُ حِينَئِذٍ دَفْعُ مِلْكِ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَاتِ وَالْفُقَرَاءَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْجَمِيعُ لِمَا عَرَفْت
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَدَمِ صَلَاحِيَةِ الشَّاةِ لِلصَّرْفِ إلَى الْفَقِيرِ فَصَارَ التَّغْيِيرُ مَعَ التَّعْلِيلِ لَا بِالتَّعْلِيلِ.
وَالْمُمْتَنِعُ هُوَ التَّغْيِيرُ بِالتَّعْلِيلِ لَا مَعَهُ فَقَوْلُهُ بِالنَّصِّ خَبَرُ صَارَ، وَمُجَامِعًا حَالٌ أَوْ هُوَ خَبَرُ صَارَ وَبِالنَّصِّ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَارَ الْأَصْلُ هُوَ الشَّاةُ، وَالْفَرْعُ الْقِيمَةُ، وَالْحُكْمُ الصَّلَاحِيَةُ، وَالْعِلَّةُ الْحَاجَةُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُخَالِفًا لِظَاهِرِ عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ جَعَلَ الْفَرْعَ هُوَ سَائِرُ الْأَمْوَالِ، وَالْعِلَّةُ وَالتَّقَوُّمُ أَوْرَدَهَا وَشَرَحَهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ قَدْ تُعْتَبَرُ مِنْ جَانِبِ الْمَصْرِفِ وَهِيَ الْحَاجَةُ، وَقَدْ تُعْتَبَرُ مِنْ جَانِبِ الْوَاجِبِ، وَهِيَ التَّقَوُّمُ، وَأَنَّ الْمُسْتَبْدَلَ بِهِ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِنَفْسِ الْقِيمَةِ وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِلتَّعْلِيلِ بِالتَّقَوُّمِ.
وَأَنْ يُعْتَبَرَ مَالَهُ الْقِيمَةُ فَتَعَلَّلَ بِالتَّقَوُّمِ وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ، وَهُوَ صَلَاحُ صَرْفِ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ قُلْت كَمَا أَنَّ النَّصَّ الدَّالَّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ دَلَّ عَلَى صَلَاحِهَا لِلصَّرْفِ كَذَلِكَ النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ دَالٌّ عَلَى صَلَاحِ غَيْرِ الشَّاةِ لِلصَّرْفِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ قُلْتُ لَا مَعْنَى لِجَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ إلَّا سُقُوطُ اعْتِبَارِ اسْمِ الشَّاةِ وَجَوَازُ إيفَاءِ حَقِّ الْفَقِيرِ مِنْ كُلِّ مَا يَصْلُحُ لِلصَّرْفِ إلَيْهِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى صَلَاحِيَةِ الْقِيمَةِ وَكُلِّ مُتَقَوِّمٌ لِلصَّرْفِ بَعْدَمَا كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاحِيَةُ بَاطِلَةً فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ بِخِلَافِ إيجَابِ الشَّاةِ بِعَيْنِهَا فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِصَرْفِهَا إلَى الْفَقِيرِ.
وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الصَّلَاحِيَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ كَوْنِ الْقِيمَةِ أَوْ كُلِّ مُتَقَوِّمٍ صَالِحًا لِلصَّرْفِ وَذَلِكَ بِالتَّعْلِيلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ

الصفحة 121