كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الشَّارِعُ جِنْسَ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ مُقْتَصِرًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ غَيْرَ حَاصِلٍ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لَا يَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْعِلَّةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ نَوْعَ الْعِلَّةِ أَوْ جِنْسَهَا لَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِي صُورَةٍ أُخْرَى لَا يُدْرَى أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَهُ أَوْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمَّا كَانَ مُجَرَّدُ الْإِخَالَةِ كَافِيًا يَحْصُلُ الْوُقُوفُ عَلَى الْعِلَّةِ مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فَحَاصِلُهُ الْخِلَافُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْوَصْفُ مُقْتَصِرًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ يَمْتَنِعُ الْوُقُوفُ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ عَلَى كَوْنِهِ عِلَّةً عِنْدَنَا خِلَافًا لَهُ، فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ مَبْنَى الْخِلَافِ أَفَادَ عَدَمَ صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْقَاصِرِ عِنْدَنَا وَصِحَّتَهُ عِنْدَهُ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَصْفَانِ قَاصِرٌ وَمُتَعَدٍّ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ أَنَّ الْقَاصِرَ عِلَّةٌ هَلْ يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِالْمُتَعَدِّي أَمْ لَا؟ فَعِنْدَهُ يَمْنَعُ، وَعِنْدَنَا لَا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْقَاصِرِ فَإِنَّهَا مُجَرَّدُ وَهْمٍ لَا غَلَبَةَ ظَنٍّ فَلَا تُعَارَضُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِغَلَبَةِ الْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي الْمُؤَثِّرِ.
كَمَا أَنَّ تَوَهُّمَ أَنَّ لِخُصُوصِيَّةِ الْأَصْلِ تَأْثِيرًا فِي الْحُكْمِ فَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَمْنَعُ التَّعْلِيلَ بِالْوَصْفِ الْمُتَعَدِّي الْمُؤَثِّرِ فَكَذَا هَاهُنَا إلَّا إذَا كَانَ الْوَصْفُ الْقَاصِرُ يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ بِالنَّصِّ كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِعَيْنِهَا» فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ، وَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ آخَرَ فَإِنْ قِيلَ تَعْلِيلُكُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَوْقُوفٌ عَلَى التَّعْدِيَةِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْوَصْفِ فِي غَيْرِ مَوْرِدِ النَّصِّ فَلَا دَوْرَ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ دَوْرُ مَعِيَّةٍ لَا دَوْرُ تَقَدُّمٍ إذْ الْعِلَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا مُتَعَدِّيَةً لَا أَنَّ كَوْنَهَا مُتَعَدِّيَةً يَثْبُتُ أَوَّلًا ثَمَّ تَكُونُ عِلَّةً (قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّأْثِيرِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اقْتِصَارَ الْوَصْفِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَعَدَمَ حُصُولِهِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى مَعَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يُنَافِي وُجُودَ جِنْسِ الْوَصْفِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَاعْتِبَارُ الشَّارِعِ إيَّاهُ جِنْسَ الْحُكْمِ بِأَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ مَانِعًا مِنْ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ آخَرَ) قِيلَ: عِلِّيَّةٌ لَا تَزَاحُمَ فِي الْعِلَلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالنَّصِّ أَوْ غَيْرِهِ لِلْحُكْمِ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ، وَأُخْرَى مُتَعَدِّيَةٌ، وَيَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَدِّيَةِ دُونَ الْقَاصِرَةِ.

[مَسْأَلَةٌ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ إعْتَاقَهُ) يَعْنِي: إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُ ثُمَّ يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِإِعْتَاقٍ قَصْدِيٍّ وَاقِعٍ بَعْدَ الْمِلْكِ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْفَرْعِ أَعْنِي: الْأَخَ بَلْ هُوَ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ.
(قَوْلُهُ أَوْ ثَبَتَ) عَطْفٌ عَلَى اُخْتُلِفَ أَيْ: لَا يَجُوزُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ اُخْتُلِفَ فِي عِلِّيَّتِهَا مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ كَالِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْمُكَاتَبِ هُوَ كَوْنُهُ عَبْدًا أَوْ الْجَهْلُ بِأَنَّ مُسْتَحِقَّ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ هُوَ السَّيِّدُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ هَلْ يَفِي بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟
(قَوْلُهُ أَدَاءُ بَعْضِ الْبَدَلِ عِوَضٌ) ، وَالْعِوَضُ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَصْلِ دُونَ الْفَرْعِ. فَإِنْ قُلْت

الصفحة 135