كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

بَابِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّ الْمُخْبِرَ لَا يُلْزِمُهُ) أَيْ: النَّاقِلَ لَا يُلْزِمُ الْمَنْقُولَ إلَيْهِ شَيْئًا (بَلْ يَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ) أَيْ: يَلْزَمُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَنْقُولِ إلَيْهِ بِالْتِزَامِهِ الشَّرَائِعَ (وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى الْغَيْرِ) أَيْ: يَلْزَمُ الْحُكْمُ النَّاقِلَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ.
(وَلَا تُشْتَرَطُ لِمِثْلِهِ الْوِلَايَةُ) أَيْ: لِمِثْلِ الْحُكْمِ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى الْغَيْرِ بِتَبَعِيَّةِ لُزُومِهِ أَوَّلًا عَلَى الشَّاهِدِ وَبِالْتِزَامِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ شَيْئًا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِهِلَالِ رَمَضَانَ فَإِنَّ الصَّوْمَ يَلْزَمُ الشَّاهِدَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى الْغَيْرِ تَبَعًا فَلَا يَكُونُ وِلَايَةً عَلَى الْغَيْرِ أَيْ: ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ بِالتَّبَعِيَّةِ عَلَى الْغَيْرِ إذْ لَيْسَ هُوَ إلْزَامًا عَلَى الْغَيْرِ قَصْدًا فَلِهَذَا يُقْبَلُ مِنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ الشَّهَادَةُ بِهِلَالِ رَمَضَانَ (وَرَدُّ الشَّهَادَةِ أَبَدًا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ) هَذَا بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَبُولِ الْحَدِيثِ مِنْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ، وَبَيْنَ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مِنْهُ فَإِنَّ حَدِيثَهُ مَقْبُولٌ وَشَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] .
فَبَعْدَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا لَكِنْ يُقْبَلُ حَدِيثُهُمْ بِنَاءً عَلَى عَدَالَتِهِمْ (وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَصْحَابِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبُولُ الْحَدِيثِ عَنْ الْأَعْمَى وَالْمَرْأَةِ كَعَائِشَةَ، وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبِلَ خَبَرَ بَرِيرَةَ وَسَلْمَانَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَاضِحًا نَسَبَهُ إلَى الْغَيْرِ لِيُحَمِّلَ النَّاقِلُ ذَلِكَ الْغَيْرَ الشَّيْءَ الَّذِي حَمَلَهُ هُوَ أَيْ: النَّاقِلُ فَالْمُرْسَلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاضِحٌ لِلنَّاقِلِ بِخِلَافِ الْمُسْنَدِ، وَقَدْ يُمْنَعُ جَرْيُ الْعَادَةِ بِذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا يُرْسِلُ؛ لِعَدَمِ إحَاطَتِهِ بِالرُّوَاةِ، وَكَيْفِيَّةِ الِاتِّصَالِ وَيُسْنِدُ إلَى الْعُدُولِ تَحْقِيقًا لِلْحَالِ، وَأَنَّهُ عَلَى ثِقَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَقَالِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ) جَوَابٌ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْنِي أَنَّ جَهْلَ السَّامِعِ بِصِفَاتِ الرَّاوِي لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنَّ النَّاقِلَ عَدْلٌ ضَابِطٌ، فَلَا يُتَّهَمُ بِالْغَفْلَةِ عَنْ حَالِ الرُّوَاةِ، وَلَا يَجْزِمُ بِنَقْلِ الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَدْلٍ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ أَمْرَ الْعَدَالَةِ عَلَى الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ، فَرُبَّمَا يَظُنُّ غَيْرَ الْعَدْلِ عَدْلًا.
(قَوْلُهُ: أَلَا يُرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ أَخْبَرَنِي ثِقَةٌ يُقْبَلُ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَثِيرًا مَا يَقُولُ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ إلَّا أَنَّ مُرَادَهُ بِالثِّقَةِ إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَبِمَنْ لَا يَتَّهِمُ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ مَعْلُومٌ.
(قَوْلُهُ: كَحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي خَبَرِ الْعَدْلِ، وَهَذَا مُسْتَنْكَرٌ مُتَّهَمٌ رُوَاتُهُ بِالْكَذِبِ، وَالْغَفْلَةِ، وَالنِّسْيَانِ لَا لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ عُمُومِ الْكِتَابِ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ: أَحَفِظْت أَمْ نَسِيتَ وَصَدَقْت أَمْ كَذَبْت مَعْنًى، وَأَيْضًا لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ، وَلَا مُفِيدَةٌ لِلْقَطْعِ فَكَيْفَ يُرَدُّ الْحَدِيثُ لِمُعَارَضَتِهَا؟ وَكَيْفَ يُقْبَلُ مِنْ الرَّاوِي أَنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُقْبَلُ أَنَّ ذَاكَ كَلَامُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ بِمَرْأًى مِنْهُ وَمَسْمَعٍ؟ (قَوْلُهُ: وَكَحَدِيثِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

الصفحة 14