كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

عِلَّةٌ لِذَلِكَ الْحُكْمِ
(وَهَذَا يُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُعْرَفُ عِلِّيَّتُهَا بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُخَيَّلًا تُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ
(وَتُقْبَلُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) أَيْ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُرْسَلَ نَوْعَانِ نَوْعٌ لَا يُقْبَلُ اتِّفَاقًا وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَ الشَّرْعُ جِنْسَهُ الْأَبْعَدَ وَهُوَ كَوْنُهُ مُتَضَمِّنًا لِمَصْلَحَةٍ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَنَوْعٌ يُقْبَلُ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ الْبَعِيدَ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الْأَبْعَدِ
(إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ ضَرُورِيَّةً قَطْعِيَّةً كُلِّيَّةً كَتَتَرُّسِ الْكُفَّارِ بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ الْجِنْسَ الْقَرِيبَ لِهَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالضَّرُورَةُ وَاعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمُلَائِمِ أَنْ يَكُونَ جِنْسُ الْوَصْفِ أَخَصَّ مِنْ مُطْلَقِ الضَّرُورَةِ بَلْ مِنْ ضَرُورَةِ حِفْظِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى تَطْهِيرِ الْأَعْضَاءِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ وَإِلَى تَطْهِيرِ الْعِرْضِ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْفَاحِشَةِ بِالنِّكَاحِ، وَنَجَاسَةُ سُؤْرِ الطَّوَّافِينَ مَانِعٌ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ تَطْهِيرِ الْعُضْوِ كَالصِّغَرِ عَنْ تَطْهِيرِ الْعِرْضِ، فَالْوَصْفُ الشَّامِلُ لِلصُّورَتَيْنِ دَفْعُ الْحَرَجِ الْمَانِعِ عَنْ التَّطْهِيرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي هُوَ جِنْسٌ الطَّهَارَةِ وَالْوِلَايَةِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الْحَرَجُ الْمَذْكُورُ.
(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ) يَعْنِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمُلَائِمِ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِالْمُلَائِمِ بِشَرْطِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ بِمَعْنَى أَنْ يُقَابَلَ بِقَوَانِينِ الشَّرْعِ فَيُطَابِقَهَا سَالِمًا عَنْ الْمُنَاقَضَةِ أَعْنِي إبْطَالَ نَفْسِهِ بِأَثَرٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ إيرَادِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ الْوَصْفِ فِي صُورَةٍ أُخْرَى وَعَنْ الْمُعَارَضَةِ أَعْنِي إيرَادَ وَصْفٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِنَفْسِ الْوَصْفِ كَمَا يُقَالُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي نَفْسِ ذُكُورِ الْخَيْلِ فَلَا تَجِبُ فِي إنَاثِهَا بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَأَدْنَى مَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَصْلَانِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْأُصُولِ تَزْكِيَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْضِ عَلَى الْمُزَكِّينَ وَأَمَّا الْعَرْضُ عَلَى جَمِيعِ الْأُصُولِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ وَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَسَّرَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ، وَفِرْقَةٌ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِالْمُلَائِمِ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُخَيَّلًا أَيْ مَوْقِعًا فِي الْقَلْبِ خَيَالَ الْعِلِّيَّةِ وَالصِّحَّةِ وَالْأَوْصَافِ الَّتِي تُعْرَفُ عِلِّيَّتُهَا بِمُجَرَّدِ الْإِخَالَةِ تُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَالْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ هُوَ الْمُخَيَّلُ وَمَعْنَاهُ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُكْمِ مِنْ ذَاتِ الْأَصْلِ لَا بِنَصٍّ، وَلَا بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالُوا وَالْمُنَاسِبُ يَنْقَسِمُ إلَى مُؤَثِّرٍ وَمُلَائِمٍ وَغَرِيبٍ وَمُرْسَلٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُعْتَبَرٌ شَرْعًا أَوْ لَا أَمَّا الْمُعْتَبَرُ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ اعْتِبَارُهُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ أَوْ لَا بَلْ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهِ فَقَطْ فَذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ

الصفحة 141