كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا قِيَاسًا اتِّفَاقًا وَالتَّعْلِيلُ بِأَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ إذَا وُجِدَ مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ يَكُونُ قِيَاسًا اتِّفَاقًا وَإِذَا وُجِدَ بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ قِيَاسٌ وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا وَيُسَمَّى تَعْلِيلًا لَكِنَّهُ مَقْبُولٌ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا وَشَهَادَةُ الْأَصْلِ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُطْلَقًا وَقَدْ تُوجَدُ بِدُونِ أَخِيرَيْ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ فَإِذَا وُجِدْت بِدُونِ التَّأْثِيرِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيُسَمَّى غَرِيبًا أَيْ يُسَمَّى الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ فِي صُورَةٍ يُوجَدُ فِيهَا نَوْعُ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ غَرِيبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّوْعِ فِي النَّوْعِ أَنَّهُ أَقْوَى الْكُلِّ لِكَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ حَتَّى يَكَادَ يُقِرُّ بِهِ مُنْكِرُو الْقِيَاسِ إذْ لَا فَرْقَ إلَّا بِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ فَالْمُرَكَّبُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ سَمَّى الْبَعْضُ) ذُكِرَ فِي بَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ الْغَرِيبَ مَا يُؤَثِّرُ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ كَالطَّعْمِ فِي الرِّبَا فَإِنَّ نَوْعَ الطَّعْمِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ مُؤَثِّرٌ فِي رِبَوِيَّةِ الْبُرِّ وَلَمْ يُؤَثِّرْ جِنْسُ الطَّعْمِ فِي رِبَوِيَّةِ سَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخَضْرَاوَاتِ وَالْمُلَائِمُ هُوَ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَخْلُو) أَيْ الْحُكْمُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقْرُونًا بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ أَوْ لَا يَكُونَ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَالْمُرَادُ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ لِلْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَوْعِهِ يُوجَدُ فِيهِ جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ أَوْ لَا يَكُونُ لِمَا ذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ وَاعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ اعْتِبَارِ النَّوْعِ فِي النَّوْعِ وَاعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ يَسْتَلْزِمُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ وَهُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا اعْتِبَارُ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ بَلْ قَدْ يَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ وَهَذَا مَعْنَى الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ مِنْ وَجْهٍ فَالتَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ أَوْ جِنْسُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ يَكُونُ قِيَاسًا لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّلَ مَقِيسٌ، وَالْأَصْلُ الشَّاهِدُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ، وَكَذَا التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسُهُ فِي جِنْسِهِ إذَا كَانَ مَعَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِدُونِهَا فَهُوَ تَعْلِيلٌ مَشْرُوعٌ مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ يُسَمَّى قِيَاسًا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ اسْتِدْلَالًا بِعِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ بِالرَّأْيِ بِمَنْزِلَةِ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ التَّعْلِيلَ بِالْعِلَّةِ الْمُتَعَدِّيَةِ يَكُونُ قِيَاسًا وَبِالْعِلَّةِ الْقَاصِرَةِ لَا يَكُونُ قِيَاسًا بَلْ يَكُونُ بَيَانَ عِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ لِلْحُكْمِ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْوَصْفِ يَكُونُ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ لِوُضُوحِهِ وَرُبَّمَا لَا يَقَعُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ فَيُذْكَرُ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ الْخِلَافُ فِي مُجَرَّدِ تَسْمِيَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

الصفحة 149