كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فَالْغَرِيبُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَقْبُولٌ وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ وَالثَّانِي مَرْدُودٌ وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي يُوجَدُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَكِنْ لَا نَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ هَذَا الْوَصْفَ أَوْ لَا
(وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا التَّأْثِيرَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْقِيَاسَ
(أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ
(اعْتِبَارُ الشَّارِعِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ بِوَصْفٍ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ أَوْ اعْتَبَرَ جِنْسَهُ
(وَلِأَنَّ الْعِلَلَ الْمَنْقُولَةَ لَيْسَتْ إلَّا مُؤَثِّرَةً كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ وَالطَّوَّافَاتِ عَلَيْكُمْ» وَقَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ «إنَّهُ دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» وَلِانْفِجَارِ الدَّمِ مِنْ الْعِرْقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَلْ عِنْدَ الْبَعْضِ يَكُونُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْمُؤَثِّرِ مُسْتَلْزِمًا لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لَكِنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ، وَقَدْ لَا يُذْكَرُ وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ عَلَى ظَاهِرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا وَجَدَ شَهَادَةَ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ) يَعْنِي أَنَّ شَهَادَةَ الْأَصْلِ قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ كُلٍّ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ لِلتَّأْثِيرِ وَحِينَئِذٍ يُسَمَّى الْوَصْفُ غَرِيبًا لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فَلَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا أَيْ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقَبُولِ هُوَ التَّأْثِيرُ أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مَا لَمْ يَكُنْ مُلَائِمًا فَإِنْ قُلْت الْمُلَائِمُ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ جِنْسُهُ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ فَهُوَ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ فَالْغَرِيبُ لَا يَكُونُ مُلَائِمًا قُلْتُ أَحَدُ الْأَنْوَاعِ هُوَ اعْتِبَارُ الْجِنْسِ الْقَرِيبِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ عَلَى مَا مَرَّ فِي تَفْسِيرِ الْمُؤَثِّرِ.
وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمُلَائِمِ هُوَ الْجِنْسُ الْبَعِيدُ فَالْغَرِيبُ بِمَعْنَى غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلَائِمًا فَظَهَرَ أَنَّ اسْمَ الْغَرِيبِ يُطْلَقُ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنْ الْوَصْفِ أَحَدُهُمَا اُعْتُبِرَ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْبَعْضَ يُسَمِّي أَوَّلَ الْأَرْبَعَةِ غَرِيبًا وَالثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ مُلَائِمَةً وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَثَانِيهِمَا مَا يُوجَدُ جِنْسُهُ أَوْ نَوْعُهُ فِي نَوْعِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ اعْتِبَارُهُ، وَلَا إلْغَاؤُهُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ وَهُوَ مَرْدُودٌ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلَائِمًا خِلَافًا لِأَصْحَابِ الطَّرْدِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ إلَى إثْبَاتِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ بِأَنَّهَا قَدْ تُوجَدُ بِدُونِ الْأَوَّلِينَ يَعْنِي اعْتِبَارَ النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ فِي النَّوْعِ لِكَوْنِهَا أَعَمَّ مِنْهَا مُطْلَقًا وَبِدُونِ الْأَخِيرَيْنِ يَعْنِي اعْتِبَارَ النَّوْعِ فِي الْجِنْسِ أَوْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ لِكَوْنِهَا أَعَمَّ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ فَتُوجَدُ بِدُونِ التَّأْثِيرِ فِي الْجُمْلَةِ لِانْحِصَارِهِ فِي الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَمَا يَتَرَكَّبُ مِنْهَا وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ التَّحَقُّقَ بِدُونِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ التَّحَقُّقِ بِدُونِ الْمَجْمُوعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَعَمَّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ بِاعْتِبَارِ أَنْ يُوجَدَ فِي الْأَخِيرَيْنِ وَبِالْعَكْسِ فَبِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُوجَدُ بِدُونِ التَّأْثِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اعْتَبِرْنَا التَّأْثِيرَ) فِي الْعِلَّةِ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقِيَاسَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ.
وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الْمَنْقُولَةَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ. وَأُجِيبَ

الصفحة 150