كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

وَهُوَ النَّجَاسَةُ تَأْثِيرٌ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَفِي عَدَمِ كَوْنِهِ حَيْضًا وَفِي كَوْنِهِ مَرَضًا لَازِمًا فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخْفِيفِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ» الْحَدِيثَ وَغَيْرُهَا مِنْ أَقْيِسَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَعَلَى هَذَا قُلْنَا مَسْحُ الرَّأْسِ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَسْحًا مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ حَتَّى لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَحَلَّهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ فَغَيْرُ مَعْقُولٍ وَكَذَا جَعَلْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ أَمْرًا شَرْعِيًّا لَا يَقْتَضِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ نَوْعَ الْوَصْفِ أَوْ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِهِ الْقَرِيبِ عَلَى مَا فَسَّرْتُمْ بِهِ التَّأْثِيرَ فَمَمْنُوعٌ، وَلِمَ لَا يَكْفِي الْجِنْسُ الْبَعِيدُ وَحُصُولُ الظَّنِّ بِوُجُوهٍ أُخَرَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ؟ كَيْفَ وَقَدْ جَوَّزْتُمْ الْعَمَلَ بِغَيْرِ الْمُؤَثِّرِ أَيْضًا وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ إلَّا عَلَى أَنَّ الْأَقْيِسَةَ الْمَنْقُولَةَ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى عِلَلٍ مَعْقُولَةٍ مُنَاسِبَةٍ، وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي التَّأْثِيرِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْيِسَةِ الْمَنْقُولَةِ قَدْ اُعْتُبِرَتْ الْأَجْنَاسُ الْبَعِيدَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ بَلْ بِوُجُوهٍ أُخَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالتَّأْثِيرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا يُقَابِلُ الطَّرْدَ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مُنَاسِبًا مُلَائِمًا لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُؤَثِّرًا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَمِنْ تَقْرِيرِهِمْ التَّأْثِيرَ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ» لِجِنْسِ الطَّوْفِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ لَهُ أَثَرٌ فِي الشَّرْعِ فِي التَّخْفِيفِ وَإِثْبَاتِ الطَّهَارَةِ وَرَفْعِ النَّجَاسَةِ كَمَنْ أَكَلَ الْمَيْتَةَ فِي الْمَخْمَصَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْيَدِ وَالْفَمِ لِلضَّرُورَةِ وَأَيْضًا لَمَّا كَانَتْ الْهِرَّةُ مِنْ الطَّوَّافِينَ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْ سُؤْرِهَا إلَّا بِحَرَجٍ عَظِيمٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ النَّجَاسَةِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي حِلِّ الْمَيِّتَةِ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّهَا دَمُ عِرْقٍ انْفَجَرَ» لِانْفِجَارِ الدَّمِ وَوُصُولِهِ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى النَّجَاسَةِ أَثَّرَ فِي وُجُوبِ طَهَارَةٍ وَفِي عَدَمِ كَوْنِ انْفِجَارِ الدَّمِ حَيْضًا وَفِي كَوْنِهِ مَرَضًا لَازِمًا مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ، أَمَّا فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ لِلْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّبِّ إلَّا طَاهِرًا، وَأَمَّا فِي عَدَمِ كَوْنِهِ حَيْضًا فَلِأَنَّ الْحَيْضَ دَمٌ ثَبَتَ عَادَةً رَاتِبَةً فِي بَنَاتِ آدَمَ خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي أَرْحَامِهِنَّ وَانْفِجَارُ دَمِ الْعِرْقِ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا مُوقِعًا فِي الْحَرَجِ الْمُوجِبِ لِإِسْقَاطِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ، وَأَمَّا فِي كَوْنِهِ مَرَضًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهَا إمْسَاكُهُ وَرَدُّهُ فَيَكُونُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّخْفِيفِ بِأَنْ يُحْكَمَ مَعَ وُجُودِهِ بِقِيَامِ الطَّهَارَةِ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ لِكُلِّ حَدَثٍ لَبَقِيَتْ مَشْغُولَةً بِالطَّهَارَةِ

الصفحة 151