كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

لِقَوْلِهِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ الْقَضَاءُ وَهُوَ غَضْبَانُ عِنْدَ فَرَاغِ الْقَلْبِ فَمَا ذَكَرَ أَنَّ النَّصَّ قَائِمٌ فِي الْحَالَيْنِ وَلَا حُكْمَ لَهُ مَمْنُوعٌ أَمَّا حَالَ وُجُودِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ الْقَضَاءُ إلَّا بَعْدَ سُكُونِ النَّفْسِ عَنْ الْغَضَبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَتْنِ وَأَمَّا حَالَ عَدَمِ الْوَصْفِ وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْمَتْنِ فَعِنْدَنَا لَا دَلَالَةَ لِلنَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ وَكَذَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرَائِطِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَسْكُوتِ وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَحِلُّ عِنْدَ شَغْلِ الْقَلْبِ بِغَيْرِ الْغَضَبِ فَيَثْبُتُ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَسْكُوتِ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ صِحَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالنَّصِّ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُضْمَرِ وَإِطْلَاقُ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَيْهِ إمَّا لُغَوِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ النَّصِّ أَوْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ أَوْ التَّغْلِيبِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِيَامَ مِنْ الْمَضْجَعِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى النَّوْمِ دَلَالَةً لَا عِبَارَةً وَهَذَا أَنْسَبُ فَإِنْ قِيلَ لِلْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ فَكَانَتْ قَضِيَّةُ التَّرْتِيبِ أَنْ يُصَرِّحَ بِالْحَدَثِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ وَيُكْتَفَى بِالدَّلَالَةِ فِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ فَلَمَّا عُكِسَتْ أُجِيبُ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ فَإِيجَابُ اسْتِعْمَالِهِ دَلَّ عَلَى وُجُودِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى إزَالَتِهَا بِخِلَافِ إيجَابِ اسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُلَوَّثٌ لَا يَقْتَضِي سَابِقَةَ حَدَثٍ فَصَرَّحَ مَعَهُ بِالْحَدَثِ الثَّانِي أَنَّ فِي تَرْكِ التَّصْرِيحِ بِالْحَدَثِ فِي نَصِّ الْوُضُوءِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَمْرِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ بِدُونِ الْحَدَثِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِيجَابِ عِنْدَ الْحَدَثِ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَعَلَى النَّدْبِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَدَثِ عَمَلًا بِظَاهِرِ إطْلَاقِهِ وَتَرَكَ هَذَا الْإِيمَاءَ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فَصَرَّحَ مَعَهُ بِذِكْرِ الْحَدَثِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَعْتَبِرُهُ الْبُلَغَاءُ فِي تَرْكِيبِهِمْ مِنْ الرُّمُوزِ لَا عَلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ الْأَمْرَ لِلْمُحْدِثِ إيجَابًا وَلِغَيْرِهِ نَدْبَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ مِنْ اللَّفْظِ مَعْنَيَاهُ الْمُخْتَلِفَانِ فَإِنْ قُلْت مَبْنَى هَذِهِ الْمَبَاحِثِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ هُوَ الْحَدَثُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ سَبَبَهُ إرَادَةُ الصَّلَاةِ لَا الْحَدَثُ. قُلْتُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْدِيرِ أَيْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْحَدَثُ فَهِيَ لَمْ تَثْبُتْ بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، وَأَمَّا فِي الْحَدِيثِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ حُكْمِ النَّصِّ وَهُوَ حُرْمَةُ الْقَضَاءِ مَعَ وُجُودِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْغَضَبُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ وُجِدَ الْغَضَبُ بِدُونِ شَغْلِ الْقَلْبِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَالْغَضْبَانُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ بِمَعْنَى الْمُمْتَلِئِ غَضَبًا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الزَّجَّاجِ فَلَا يُتَصَوَّرُ لَهُ فَرَاغُ الْقَلْبِ مَا دَامَ غَضْبَانَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ مَنْعُ قِيَامِ النَّصِّ فِي الْحَالَيْنِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْبَعْضِ إلَّا أَنَّهُ تَعَرَّضَ فِي الشَّرْحِ لِحَالِ الْعَدَمِ أَيْضًا زِيَادَةً لِتَحْقِيقِ الْمَقْصُودِ يَعْنِي أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مِنْ حُكْمِ هَذَا النَّصِّ حِلُّ الْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَضَبِ وَإِنَّمَا يَكُونَ كَذَلِكَ لَوْ تَحَقَّقَ شَرَائِطُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ

الصفحة 158