كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فَأَوَّلُ ذَلِكَ رَاجِحٌ عَلَى أَوَّلِ هَذَا) أَيْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ رَاجِحٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّا إذَا ذَكَرْنَا الْقِيَاسَ نُرِيدُ بِهِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَإِذَا ذَكَرْنَا الِاسْتِحْسَانَ نُرِيدُ بِهِ الْقِيَاسَ الْخَفِيَّ فَلَا تَنْسَ هَذَا الِاصْطِلَاحَ
(لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَثَرُ لَا الظُّهُورُ وَثَانِي هَذَا عَلَى ثَانِي ذَلِكَ) أَيْ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ رَاجِحٌ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ صِحَّتُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ
(فَالْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيَاسِ كَسُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ فَإِنَّهُ نَجِسٌ قِيَاسًا عَلَى سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ، طَاهِرٌ اسْتِحْسَانًا لَأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ طَاهِرٌ. وَالثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِحْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ
(كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ تُؤَدَّى بِالرُّكُوعِ قِيَامًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الرُّكُوعَ مَقَامَ السَّجْدَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِالسُّجُودِ فَلَا تُؤَدَّى بِالرُّكُوعِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ فَعَمِلْنَا بِالصِّحَّةِ الْبَاطِنَةِ فِي الْقِيَاسِ وَهِيَ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُتَمَسَّكُ بِهِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ.
(قَوْلُهُ: وَذَكَرُوا لَهُ) قِسْمَيْنِ الصِّحَّةُ تُقَارِبُ الْأَثَرَ وَالضَّعْفُ يُقَارِبُ الْفَسَادَ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَتَحَقَّقُ تَقَابُلُ الْقِسْمَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسِ وَالْمُرَادُ بِظُهُورِ الصِّحَّةِ فِي الِاسْتِحْسَانِ ظُهُورُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى فَسَادِ الْخَفِيِّ وَهُوَ لَا يُنَافِي خَفَاءَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْقِيَاسِ وَالْمُرَادُ بِخَفَاءِ الصِّحَّةِ فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ خَفَاؤُهَا بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى وَجْهِ الْقِيَاسِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُورِثُهُ قُوَّةً وَرُجْحَانًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ الصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَى الرُّجْحَانِ هَاهُنَا تَعَيُّنُ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ وَتَرْكُ الْعَمَلِ بِالْمَرْجُوحِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ الْأَوْلَوِيَّةُ حَتَّى يَجُوزَ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ.
(قَوْلُهُ: فَالْأَوَّلُ) يَعْنِي أَنَّ سُؤْرَ سِبَاعِ الطَّيْرِ مِنْ الْبَازِي وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهِمَا نَجِسٌ قِيَاسًا عَلَى سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْفَهْدِ وَالذِّئْبِ لِمُخَالَطَتِهِ بِاللُّعَابِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمٍ نَجِسٍ. فَإِنَّ اخْتِيَارَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ لَحْمَ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِيمَا يَصْلُحُ لِلْغِذَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِلضَّرُورَةِ أَوْ الِاسْتِخْبَاثِ أَوْ الِاحْتِرَامِ آيَةُ النَّجَاسَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِي السَّبُعِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ طَاهِرٌ كَالْجِلْدِ وَالْعَظْمِ وَالْعَصَبِ وَالشَّعْرِ وَمَا يُؤْكَلُ وَهُوَ نَجَسٌ كَاللَّحْمِ وَالشَّحْمِ أَشْبَهَ دُهْنًا مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَجُعِلَ لَهُ حُكْمٌ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ الْحَقِيقِيَّتَيْنِ بِأَنْ حُرِّمَ أَكْلُهُ وَتَنَجَّسَ لُعَابُهُ لَكِنْ جَازَ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَمْ تُجْعَلْ نَجَاسَةُ سِبَاعِ الطَّيْرِ أَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي سِبَاعِ الْبَهَائِمِ دُونَ الطُّيُورِ فَاحْتِيجَ فِيهَا إلَى الْقِيَاسِ وَهَذَا قِيَاسٌ ضَعِيفُ الْأَثَرِ قَلِيلُ الصِّحَّةِ لِقُصُورِ عِلَّةِ التَّنَجُّسِ فِي الْفَرْعِ أَعْنِي الْمُخَالَطَةَ، وَقَدْ قَابَلَهُ اسْتِحْسَانٌ قَوِيُّ الْأَثَرِ

الصفحة 164