كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الْقِسْمَيْنِ وَعَلَى انْحِصَارِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلِهَذَا أَوْرَدْت الْأَقْسَامَ الْمُمْكَنَةَ عَقْلًا وَقُلْتُ
(وَبِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ يَنْقَسِمُ كُلٌّ إلَى ضَعِيفِ الْأَثَرِ وَقَوِيِّهِ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ لَا يَرْجِعُ الِاسْتِحْسَانُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ ضَعِيفَ الْأَثَرِ وَالِاسْتِحْسَانُ قَوِيَّ الْأَثَرِ أَمَّا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْأُخَرَ فَالْقِيَاسُ رَاجِحٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ أَمَّا إذَا كَانَ الْقِيَاسُ قَوِيَّ الْأَثَرِ وَالِاسْتِحْسَانُ ضَعِيفَ الْأَثَرِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا إذَا كَانَا قَوِيِّينَ فَالْقِيَاسُ يَرْجُحُ لِظُهُورِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَا ضَعِيفَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُسْقَطَ أَوْ يُعْمَلَ بِالْقِيَاسِ لِظُهُورِهِ فَلِهَذَا أَوْرَدْتُ الْحُكْمَ الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَا يَرْجُحُ عَلَى الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَيَرْجُحُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ
(وَإِلَى صَحِيحِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَفَاسِدِهِمَا وَصَحِيحِ الظَّاهِرِ فَاسِدِ الْبَاطِنِ وَالْعَكْسُ فَالْأَوَّلُ مِنْ الْقِيَاسِ يُرَجَّحُ عَلَى كُلِّ اسْتِحْسَانٍ وَثَانِيهِ مَرْدُودٌ بَقِيَ الْأَخِيرَانِ فَالْأَوَّلُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ أَيْ صَحِيحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ يُرَجَّحُ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى قِيَاسٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ فَاسِدِ الْبَاطِنِ وَعَكْسِهِ، وَثَانِيهِ مَرْدُودٌ أَيْ ثَانِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ فَاسِدُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بَقِيَ الْأَخِيرَانِ أَيْ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُمَا صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ وَعَكْسُهُ فَالتَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَخِيرَيْ الْقِيَاسِ إنْ وَقَعَ مَعَ خِلَافِ النَّوْعِ فَمَا ظَهَرَ فَسَادُهُ بَادِئَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ وَلِهَذَا صَحَّ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالرُّكُوعِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: 24] أَيْ سَقَطَ سَاجِدًا فَهَذَا قِيَاسٌ جَلِيٌّ فِيهِ فَسَادٌ ظَاهِرٌ هُوَ الْعَمَلُ بِالْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ، وَصِحَّةٌ خَفِيَّةٌ هِيَ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَمْ تَجِبْ قُرْبَةً مَقْصُودَةً وَلِهَذَا لَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ كَالطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُوَ التَّوَاضُعُ وَمُخَالَفَةُ الْمُتَكَبِّرِينَ وَمُوَافَقَةُ الْمُطِيعِينَ عَلَى قَصْدِ الْعِبَادَةِ وَلِهَذَا اشْتَرَطَ الطَّهَارَةَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَهَذَا حَاصِلٌ فِي الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ هُوَ السُّجُودُ وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلرُّكُوعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْهُ كَمَا لَا يَنُوبُ عَنْ السَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ مَعَ قُرْبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ وَكَمَا لَا يَنُوبُ الرُّكُوعُ خَارِجَ الصَّلَاةِ عَنْ السَّجْدَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِجِهَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا قِيَاسٌ خَفِيٌّ يُسَمَّى اسْتِحْسَانًا وَفِيهِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ هُوَ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ وَعَدَمِ تَأْدِيَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِغَيْرِهِ وَفَسَادٌ خَفِيٌّ هُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَقْصُودِ مُسَاوِيًا لِلْمَقْصُودِ فَعَمِلْنَا بِالصِّحَّةِ الْبَاطِنَةِ فِي الْقِيَاسِ وَجَعَلْنَا سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ مُتَأَدِّيَةً بِالرُّكُوعِ سَاقِطَةً بِهِ كَمَا تَسْقُطُ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ بِالطَّهَارَةِ لِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً وَبِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصَّلَاتِيَّةِ فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا كَالرُّكُوعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] .
(قَوْلُهُ: بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ يَنْقَسِمُ) الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ تَارَةً

الصفحة 166