كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الْحُكْمِ، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ كَافِيَةً مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَقَامَ الْمَرْأَتَيْنِ لَمَا أَوْجَبَ حُضُورَهُمَا عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ مَمْنُوعَاتٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَحُضُورِ مَجَالِسِ الرِّجَالِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بِدْعَةٌ، وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ.
(وَكَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ قَوْله تَعَالَى فَاعْتَدُوا، وَإِنَّمَا يُرَدُّ لِتَقَدُّمِ الْكِتَابِ حَتَّى يَكُونَ عَامُّ الْكِتَابِ وَظَاهِرُهُ أَوْلَى مِنْ خَاصِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَنَصِّهِ، وَلَا يُنْسَخُ ذَلِكَ بِهَذَا، وَلَا يُزَادُ بِهِ عَلَيْهِ. وَإِمَّا بِمُعَارَضَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَحَدِيثِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَكَحَدِيثِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ «فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الرُّطَبُ هُوَ التَّمْرُ يُعَارِضُ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ، وَقَوْلَهُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُعَارِضُ قَوْلَهُ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» )
تَحْقِيقُهُ: أَنَّ الرُّطَبَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا فَإِنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالتَّمْرِ يَكُونُ مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَمْرٌ لَكِنْ الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ مُخْتَلِفَانِ فِي الصِّفَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا اعْتِبَارَ لِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيُّهَا سَوَاءٌ» وَلِدَفْعِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ صَرِيحًا زِدْت قَوْلَهُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» (وَأَمَّا بِكَوْنِهِ شَاذًّا فِي الْبَلْوَى الْعَامِّ كَحَدِيثِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فَخَفَاؤُهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ مِمَّا يُحِيلُهُ الْعَقْلُ) .
فَإِنْ قِيلَ جَعَلَ هَذَا النَّوْعَ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ، وَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِ قُلْتُ أَمْثَالُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّبْلِيغِ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْيَقِينِ، وَالْعَامُّ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الظَّنِّ، وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ» ، وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا» وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ) حَصَرَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَجِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ، فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.
(قَوْلُهُ: وَكَحَدِيثِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ) هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ قَالَ، فَلَا إذَنْ» إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أُورِدَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَارَ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَاسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْهُ هَذَا الطَّعْنَ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ كَيْفَ يُقَالُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ، وَهُوَ يَقُولُ زَيْدُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ؟ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى مُعَارَضَتِهِ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ، وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الرُّطَبُ تَمْرًا مُطْلَقًا؛ لِفَوَاتِ وَصْفِ الْيُبُوسَةِ، وَلَا نَوْعًا آخَرَ لِبَقَاءِ أَجْزَائِهِ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ تَمْرًا كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ لَيْسَتْ حِنْطَةً عَلَى الْإِطْلَاقِ لِفَوَاتِ

الصفحة 17