كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُدَّعَى فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ وُجُوبُ الضَّمَانِ وَبَقَاءُ الْعِصْمَةِ فَحِينَئِذٍ لَا تَكُونُ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ بَلْ حَاصِلُ هَذَا الْمِثَالِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ ادَّعَى حُكْمًا أَصْلِيًّا وَهُوَ الْعِصْمَةُ مَثَلًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الْعِصْمَةُ وَهِيَ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِعَارِضٍ وَلَيْسَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ الْجَمَلُ الصَّائِلُ إلَّا عَارِضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَخْمَصَةِ أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ لَا يَصْلُحُ رَافِعًا لِلْعِصْمَةِ فَتَبْقَى الْعِصْمَةُ فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ رَافِعٌ لِلْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي فَأَجَابَ بِأَنَّ رَافِعَ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ الْبَاغِي لَيْسَ حِلَّ الْإِتْلَافِ بَلْ الرَّافِعُ هُوَ الْبَغْيُ فَهَذَا لَا يَكُونُ دَفْعًا بِالْحُكْمِ بَلْ بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْعِصْمَةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ آخَرُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَالضَّابِطُ الْمُنْتَزَعُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ إذَا ادَّعَى حُكْمًا أَصْلِيًّا لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِعَارِضٍ كَالْعِصْمَةِ هُنَا وَلَيْسَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَّا عَارِضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ حِلُّ الْإِتْلَافِ وَأُثْبِتَ بِالْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا الْعَارِضَ لَا يَرْفَعُهُ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ فَنُوقِضَ بِصُورَةٍ كَمَالِ الْبَاغِي مَثَلًا فَأَجَابَ بِأَنَّ الرَّافِعَ شَيْءٌ آخَرُ فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ شَيْءٌ آخَرُ) وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرًا لِلدَّفْعِ بِالْحُكْمِ وَوَجْهُهُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ عِنْدَ مُنَافَاةِ حِلِّ الْإِتْلَافِ الْعِصْمَةُ، وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَخْمَصَةِ فَنُوقِضَ بِمَالِ الْبَاغِي أَنَّ حِلَّ الْإِتْلَافِ ثَابِتٌ فِيهِ وَعَدَمُ مُنَافَاتِهِ الْعِصْمَةَ غَيْرُ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ فِيهِ مُنَافَاةُ حِلِّ الْإِتْلَافِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْخَارِجُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ حَدَثًا لَكَانَ الْقَلِيلُ الَّذِي لَمْ يَسِلْ مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ حَدَثًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَإِنَّ الْخُرُوجَ هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ وَلَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ السَّيَلَانِ بَلْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ لِزَوَالِ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لَهَا بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْقَلِيلِ إلَّا بِالْخُرُوجِ.
(قَوْلُهُ هُوَ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي صَارَتْ الْعِلَّةُ عِلَّةً لِأَجْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَسْحِ تَطْهِيرًا حُكْمِيًّا غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى ثَابِتٌ بِاسْمِ الْمَسْحِ لُغَةً؛ لِأَنَّهُ الْإِصَابَةُ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّخْفِيفِ دُونَ التَّطْهِيرِ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِتَوْكِيدِ تَطْهِيرٍ مَعْقُولٍ كَالْغُسْلِ فَلَا يُفِيدُ فِي الْمَسْحِ وَيُفِيدُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ التَّطْهِيرَ فِيهِ مَعْقُولٌ إذْ هُوَ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا كَانَ الْغُسْلُ فِيهِ أَفْضَلَ وَفِي التَّثْلِيثِ تَوْكِيدٌ لِذَلِكَ وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ كَرَاهِيَتَهُ لِيَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيُعَلَّلُ.
(قَوْلُهُ: فَأَجَابَ فِي الْأَوَّلَيْنِ بِالْمَانِعِ) وَهُوَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْعُذْرُ وَدَفْعُ الْحَرَجِ وَفِي الْمُدَبَّرِ النَّظَرُ لَهُ وَعَدَمُ قَابِلِيَّتِهِ لِلْمَمْلُوكِيَّةِ بَقِيَ أَنَّ خُرُوجَ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حَدَثٌ إلَّا أَنَّهُ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدِ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهَا الطَّهَارَةُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْحَدَثِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَيْسَ بِحَدَثٍ

الصفحة 172