كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فِي فَصْلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ بِالضَّرُورَةِ فَدُخُولُهُ عَلَى الْحُكْمِ أَسْهَلُ مِنْ دُخُولِهِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ عَلَى السَّبَبِ يُوجِبُ الدُّخُولَ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَالْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ دَاخِلًا عَلَى الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ ثَابِتًا، وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَدَرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَأَوْجَبَ الْحُكْمَ وَهُوَ الْمِلْكُ لَكِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتِمَّ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ حَصَلَ السَّبَبُ وَالْحُكْمُ بِتَمَامِهِ لِتَمَامِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَدَ الرُّؤْيَةَ لَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ يَتَضَرَّرُ الْمُشْتَرِي فَقُلْنَا بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَيْبِ فَلَا خِيَارَ الْعَيْبِ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَهُوَ بَعْدَ التَّمَامِ جَائِزٌ وَفِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَتَمَكَّنُ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ قَبْلَ التَّمَامِ وَذَا لَا يَجُوزُ وَلَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْأَلْفَاظِ مَجَازٌ فَيُخَصُّ بِهَا، وَتَرْكُ الْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ حِينَئِذٍ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْقِيَاسِ مَا يَلْزَمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلَّةِ بَلْ التَّمَامُ كَافٍ كَخُرُوجِ النَّجَاسَةِ لِلْحَدَثِ ثُمَّ الْمَقْصُودُ هُوَ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيَّانِ، وَقَدْ أَضَافُوا إلَيْهَا الْحِسِّيَّيْنِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ وَفِي كَوْنِ امْتِدَادِ الْجُرْحِ وَصَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْعِ مَانِعًا مِنْ لُزُومِ الْحُكْمِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْحُكْمِ الْقَتْلُ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنْ أُرِيدَ الْجَرْحُ فَهُوَ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ صَيْرُورَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الطَّبْعِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْجَرْحُ عَلَى وَجْهٍ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ لِعَدَمِ مُقَاوَمَةِ الْمُرْمَى فَالِانْدِمَالُ مَانِعٌ مِنْ تَمَامِ الْحُكْمِ لِحُصُولِ الْمُقَاوَمَةِ، وَأَمَّا بَقَاءُ الْجُرْحِ وَكَوْنُ الْمَجْرُوحِ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَلَا يَمْنَعُهُ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمُقَاوَمَةِ إلَّا أَنَّهُ مَا دَامَ حَيًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَزُولَ عَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ بِالِانْدِمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ لَازِمًا بِإِفْضَائِهِ إلَى الْقَتْلِ فَإِذَا صَارَ طَبْعًا فَقَدْ مَنَعَ ذَلِكَ إفْضَاءَهُ إلَى الْقَتْلِ وَكَانَ مَانِعًا لُزُومَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَمْثِيلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّسَامُحِ وَإِلَّا فَالرَّمْيُ عِلَّةٌ لِلْمُضِيِّ وَالْمُضِيُّ لِلْإِصَابَةِ وَالْإِصَابَةُ لِلْجِرَاحَةِ وَالْجِرَاحَةُ لِسَيَلَانِ الدَّمِ وَهُوَ لِزُهُوقِ الرُّوح.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ التَّخْصِيصَ) أَجَابَ عَنْ الِاحْتِجَاجِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِيَ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْعِلَلَ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ وَالْمَجَازُ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصِ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الْمَلْزُومِ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَرُبَّمَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّخْصِيصَ مُطْلَقًا مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ بَلْ التَّخْصِيصُ فِي الْأَلْفَاظِ كَذَلِكَ وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصٌ بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ اللَّفْظُ بِالْمَجَازِ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
وَعَنْ الِاحْتِجَاجِ الثَّانِي بِأَنَّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ تَرْكٌ لِلْقِيَاسِ بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ الْمَانِعِ مِنْ تَحَقُّقِ الْعِلَّةِ

الصفحة 176