كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الْمُؤَثِّرَةِ فَإِنَّهُ إذَا أُورِدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ يَمْنَعُ الْجَدَلِيُّ تَوْجِيهَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُورَدَ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْفَرْقِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْجَدَلِيُّ مِنْ رَدِّهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إعْتَاقُ الرَّاهِنِ تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ
(فَيُرَدُّ كَالْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا الْعِتْقَ يَمْنَعُ تَوْجِيهَ هَذَا الْكَلَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ نُورِدَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ إنْ كَانَ هُوَ الْبُطْلَانَ فَلَا نُسَلِّمُ) الْأَصْلَ هُنَا بَيْعُ الرَّاهِن فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ الْبُطْلَانُ فَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا فِي بَيْعِ الرَّاهِنِ التَّوَقُّفُ
(وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفَ) أَيْ إنْ كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ التَّوَقُّفَ
(فَفِي الْفَرْعِ إنْ ادَّعَيْتُمْ الْبُطْلَانَ لَا يَكُونُ الْحُكْمَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ وَإِنْ ادَّعَيْتُمْ التَّوَقُّفَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكَقَوْلِهِ فِي الْعَمْدِ: قَتْلُ آدَمِيٍّ مَضْمُونٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQمُجَرَّدَ الْفَرْقِ بَلْ بَيَانَ عَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةِ هِيَ الْوَصْفُ الْمَفْرُوضُ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَمْ يَجِبْ) أَيْ الْقَوَدُ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ قُصُورَ الْجِنَايَةِ بِالْخَطَأِ لَا يُوجِبُ الْمِثْلَ الْكَامِلَ فَوَجَبَ الْمَالُ خَلَفًا عَنْهُ فَإِيجَابُ الْمَالِ فِي الْعَمْدِ بِأَنْ يَكُونَ الْوَارِثُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ لَا يَكُونُ مُمَاثِلًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمُزَاحَمَةِ دُونَ الْخَلْفِيَّةِ إذْ الْخَلَفُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ بَلْ لَا يَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَضِيَّةَ الْقِيَاسِ إثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْخَطَأُ إيجَابُ خَلْفِيَّةِ الْمَالِ عَنْ الْقِصَاصِ وَفِي الْفَرْعِ وَهُوَ الْعَمْدُ إيجَابُ مُزَاحِمَتِهِ لَهُ.

[الْمُمَانَعَةُ]
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْمُمَانَعَةُ) وَهِيَ مَنْعُ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ إمَّا مَعَ السَّنَدِ أَوْ بِدُونِهِ وَالسَّنَدُ مَا يَكُونُ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ الْقِيَاسُ مَبْنِيًّا عَلَى مُقَدِّمَاتٍ هِيَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً وَوُجُودُهَا فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ وَتَحَقُّقُ شَرَائِطِ التَّعْلِيلِ بِأَنْ لَا يُغَيِّرَ حُكْمَ النَّصِّ، وَلَا يَكُونُ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ وَتَحَقُّقُ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَغَيْرِهِ كَانَ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ذَكَرْت مِنْ الْوَصْفِ عِلَّةٌ أَوْ صَالِحٌ لِلْعِلِّيَّةِ، وَهَذَا مُمَانَعَةٌ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ أَوْ لَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ شَرَائِطِ التَّعْلِيلِ أَوْ تَحَقُّقَ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ الْمُمَانَعَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ فَقِيلَ الْقِيَاسُ إلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ بِجَامِعٍ، وَقَدْ حَصَلَ فَلَا نُكَلِّفُ إثْبَاتَ مَا لَمْ يَدَّعِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْجَامِعِ مِنْ ظَنِّ الْعِلِّيَّةِ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى التَّمَسُّكِ بِكُلِّ طَرْدٍ فَيُؤَدِّي إلَى اللَّعِبِ فَيَصِيرُ الْقِيَاسُ ضَائِعًا وَالْمُنَاظَرَةُ عَبَثًا مِثْلُ أَنْ يُقَالَ الْخَلُّ مَائِعٌ فَيَرْفَعُ الْخَبَثَ كَالْمَاءِ وَلِهَذَا احْتَاجَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جَرَيَانِ الْمُمَانَعَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ إلَى بَيَانِهِ بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِمَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا كَالطَّرْدِ وَكَالتَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ الْعِلَّةُ هِيَ الْوَصْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا لِلْعِلِّيَّةِ بَلْ تَكُونُ الْعِلَّةُ غَيْرَهُ كَمَا

الصفحة 179