كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

لَكَانَ عِلَّةً لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَالنَّذْرِ فَيَلْزَمُ اسْتِوَاءُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي هَذَا الْحُكْمِ
(وَالْأَوَّلُ أَقْوَى مِنْ هَذَا) أَيْ الْقَلْبُ أَقْوَى مِنْ الْعَكْسِ
(لِأَنَّهُ جَاءَ بِحُكْمٍ آخَرَ وَبِحُكْمٍ مُجْمَلٍ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ جَاءَ فِي الْعَكْسِ بِحُكْمٍ آخَرَ وَفِي الْقَلْبِ جَاءَ بِنَقِيضِ حُكْمٍ يَدَّعِيهِ الْمُعَلِّلُ فَالْقَلْبِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَكْسِ اشْتَغَلَ بِمَا لَيْسَ هُوَ بِصَدَدِهِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْآخَرِ، وَفِي الْقَلْبِ لَمْ يُشْغَلْ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا جَاءَ بِحُكْمٍ مُجْمَلٍ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ إذْ الِاسْتِوَاءُ يَكُونُ بِطَرِيقَيْنِ وَالْمُعْتَرِضُ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَيُّهُمَا وَإِثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُبَيَّنِ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُجْمَلِ وَأَيْضًا الِاسْتِوَاءُ الَّذِي فِي الْفَرْعِ غَيْرُ الِاسْتِوَاءِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُ
(وَلِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَفِي الْوُضُوءِ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْعَدَمِ وَفِي الْفَرْعِ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْوُجُودِ وَإِمَّا بِدَلِيلٍ آخَرَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعَكْسِ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ بِالْعَكْسِ جَاءَ بِحُكْمٍ آخَرَ غَيْرِ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَرِضِ بِالْقَلْبِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِئْ إلَّا بِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ الثَّانِي أَنَّ الْعَاكِسَ جَاءَ بِحُكْمٍ مُجْمَلٍ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ الْمُحْتَمِلُ لِشُمُولِ الْوُجُودِ وَشُمُولِ الْعَدَمِ وَالْقَالِبُ جَاءَ بِحُكْمٍ مُفَسِّرٍ هُوَ نَفْيُ دَعْوَى، الْمُعَلِّلُ الثَّالِثُ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ إثْبَاتُ مِثْلِ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ وَلَمْ يُرَاعِ هَذَا فِي الْعَكْسِ إلَّا مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ وَاللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الْأَصْلِ أَعْنِي الْوُضُوءَ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْعَدَمِ أَعْنِي عَدَمَ الْوُجُوبِ بِالنَّذْرِ، وَلَا بِالشُّرُوعِ، وَفِي الْفَرْعِ أَعْنِي صَلَاةَ النَّفْلِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ شُمُولِ الْوُجُودِ أَعْنِي الْوُجُوبَ بِالنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ جَمِيعًا فَلَا مُمَاثَلَةَ هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِيهِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ لِكَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ الْمُعَارَضَةُ نَوْعَانِ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ وَمُعَارَضَةٌ خَالِصَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَالْقَلْبُ وَيُقَابِلُهُ الْعَكْسُ وَالْقَلْبُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَعْلُولَ عِلَّةً وَالْعِلَّةَ مَعْلُولًا مِنْ قَلَبْتُ الشَّيْءَ جَعَلْته مَنْكُوسًا، وَثَانِيهِمَا أَنْ تَجْعَلَ الْوَصْفَ شَاهِدًا لَك بَعْدَ مَا كَانَ شَاهِدًا عَلَيْك مِنْ قَلَبَ الشَّيْءِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا اُسْتُعْمِلَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلْبِ أُلْحِقَ بِهَذَا الْبَابِ وَهُوَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى رَدِّ الشَّيْءِ عَلَى سَنَنِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَصْلُحُ لِتَرْجِيحِ الْعِلَلِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ زِيَادَةُ تَعَلُّقٍ بِالْعِلَّةِ حَيْثُ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا وَذَلِكَ كَقَوْلِنَا مَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ، وَعَكْسُهُ الْوُضُوءُ بِمَعْنَى أَنَّ مَا لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَثَانِيهِمَا بِمَعْنَى رَدِّ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ سَنَنِهِ كَمَا يُقَالُ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَا يُمْضَى فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ فَيُقَالُ لَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ كَالْوُضُوءِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْقَلْبِ ضَعِيفٌ

الصفحة 184