كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودِ فَوَلَدَتْ فَالْمُعَارِضُ وَإِنْ أَثْبَتَ حُكْمًا آخَرَ) وَهُوَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ لِلثَّانِي نَفْيُهُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِذَا ثَبَتَ الْمُعَارَضَةُ فَالسَّبِيلُ التَّرْجِيحُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ صَاحِبُ فِرَاشٍ صَحِيحٍ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَمِنْهَا مَا فِيهِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ وَهُوَ أَنْ تُجْعَلَ الْعِلَّةُ مَعْلُولًا وَالْمَعْلُولُ عِلَّةً وَهِيَ قَلْبٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَرِدُ هَذَا إذَا
(كَانَتْ الْعِلَّةُ حُكْمًا لَا وَصْفًا) ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مَعْلُولًا وَالْحُكْمَ عِلَّةً
(نَحْوُ: الْكُفَّارُ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ) ؛ لِأَنَّ جَلْدَ الْمِائَةِ غَايَةُ حَدِّ الْبِكْرِ وَالرَّجْمُ غَايَةُ حَدِّ الثَّيِّبِ فَإِذَا وَجَبَ فِي الْبِكْرِ غَايَتُهُ وَجَبَ فِي الثَّيِّبِ غَايَتُهُ أَيْضًا فَإِنَّ النِّعْمَةَ كُلَّهَا كَانَتْ أَكْمَلَ فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا تَكُونُ أَفْحَشَ فَجَزَاؤُهَا يَكُونُ أَغْلَظَ فَإِذَا وَجَبَ فِي الْبِكْرِ الْمِائَةُ يَجِبُ فِي الثَّيِّبِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا إلَّا الرَّجْمَ فَإِنَّ الشَّرْعَ مَا أَوْجَبَ فَوْقَ جَلْدِ الْمِائَةِ إلَّا الرَّجْمَ
(وَالْقِرَاءَةُ تَكَرَّرَتْ فَرْضًا فِي الْأُولَيَيْنِ فَكَانَتْ فَرْضًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَنَقُولُ الْمُسْلِمُونَ إنَّمَا يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً؛ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ) يَعْنِي لَوْ جَعَلَ الْمُعَلِّلُ جَلْدَ الْبِكْرِ عِلَّةً لِرَجْمِ الثَّيِّبِ، فَنَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ هَذَا بَلْ رَجْمُ الثَّيِّبِ عِلَّةٌ لِجَلْدِ الْبِكْرِ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَرْضًا فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَرْضًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَالْمُخْلَصُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَنَفْيُ وِلَايَتِهِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ وِلَايَةِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَصِيرُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ وَجْهُ صِحَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ كَوْنُ الْأَوَّلِ صَاحِبَ فِرَاشٍ صَحِيحٍ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا مَعَ فَسَادِ الْفِرَاشِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْفِرَاشِ تُوجِبُ حَقِيقَةَ النَّسَبِ وَالْفَاسِدُ شُبْهَتُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ شُبْهَتِهِ وَرُبَّمَا يُقَالُ بَلْ فِي الْحُضُورِ حَقِيقَةُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ مَائِهِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ قَلْبٌ أَيْضًا) مِنْ إذَا قَلَبْت الْإِنَاءَ وَجَعَلْت أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَصْلٌ وَهُوَ أَعْلَى وَالْمَعْلُولُ فَرْعٌ وَهُوَ أَسْفَلُ فَتَبْدِيلُهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَعْلِ الْكُوزِ مَنْكُوسًا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مُعَارَضَةً إذَا أَقَامَ الْمُعْتَرِضُ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ عِلِّيَّةِ مَا ادَّعَاهُ الْمُعَلِّلُ عِلَّةً وَإِلَّا فَهُوَ مُمَانَعَةٌ مَعَ السَّنَدِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَعَمْ لَوْ أَثْبَتَ كَوْنَ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا لَزِمَ نَفْيُ عِلِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْلُولَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ فِي الْحُكْمِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السَّائِلَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ آخَرَ لَزِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلُهُ فَلَزِمَ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يَثْبُتْ بِعِلَّةٍ أُخْرَى.
(قَوْلُهُ وَالْمُخَلِّصُ) لَا يُرِيدُ بِالْمُخْلِصِ الْجَوَابَ عَنْ هَذَا الْقَلْبِ وَدَفَعَهُ بَلْ الِاحْتِرَازُ عَنْ وُرُودِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يُورِدَ الْحُكْمَيْنِ بِطَرِيقِ تَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْمَعْلُولِ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يُفِيدَ التَّصْدِيقَ بِثُبُوتِهِ كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ

الصفحة 186