كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

مُتَنَاهِيَةٍ لَا نُسَلِّمُ فِي الصُّبْرَةِ) فَقَوْلُهُ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ إشَارَةٌ إلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ فَالْمُمَانَعَةُ فِي الْحُكْمِ أَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الَّذِي يَكُونُ الْوَصْفُ عِلَّةً لَهُ فِي الْفَرْعِ قَوْلُهُ لَا نُسَلِّمُ إمْكَانَهَا فِي الْفَرْعِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا أَوْ نَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُعَلِّلُ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ وَقَوْلُهُ لَا نُسَلِّمُ فِي الصُّبْرَةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا (وَكَقَوْلِهِ: صَوْمُ فَرْضٍ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ كَالْقَضَاءِ فَنَقُولُ أَبْعَدَ التَّعَيُّنِ فَلَا نُسَلِّمُ فِي الْأَصْلِ أَوْ قَبْلِهِ فَلَا نُسَلِّمُ فِي الْفَرْعِ) أَيْ إنْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيِّنًا فَلَا نُسَلِّمُ هَذَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَعْيِينِ النِّيَّةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيَّنًا فَلَا نُسَلِّمُ هَذَا فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةَ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيِّنًا مُمْتَنِعٌ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مُتَعَيَّنٌ فِي الْمُتَنَازَعُ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ فَلَا تَكُونُ صِحَّةُ الصَّوْمِ فِي الْمُتَنَازَعِ مَوْقُوفَةً عَلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ مُتَعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَكُونُ صِحَّةُ صَوْمِ رَمَضَانَ مُمْتَنِعَةٌ وَهَذَا بَاطِلٌ
(وَأَمَّا فِي صَلَاحِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فَإِنَّ الطَّرْدَ بَاطِلٌ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ وَأَمَّا فِي نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ كَقَوْلِهِ فِي الْأَخِ: لَا يُعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ كَابْنِ الْعَمِّ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَصْلِ هَذَا) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ عِتْقِ ابْنِ الْعَمِّ هِيَ عَدَمُ الْبَعْضِيَّةِ فَإِنَّ عَدَمَ الْبَعْضِيَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْعِتْقِ لِجَوَازِ أَنْ تُوجَدَ عِلَّةٌ أُخْرَى لِلْعِتْقِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يُعْتَقْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِصْمَةِ، وَالرِّدَّةُ قَاطِعَةٌ لَهَا فَتَكُونُ مُنَافِيَةً لِلنِّكَاحِ، وَلَا بَقَاءَ لِلشَّيْءِ مَعَ الْمُنَافِي، لَكَانَ اسْتِدْلَالًا بِرَأْسِهِ عَلَى بُطْلَانِ بَقَاءِ النِّكَاحِ مَعَ الِارْتِدَادِ لَكِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَقْصُودِ الْمُقَامِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا بَيَانُ أَنَّ الْخَصْمَ قَدْ رَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضَ مَا تَقْتَضِيهِ، وَكَذَا مَسْأَلَةُ الْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّقْلِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا إذَا حَجَّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ الْعِبَادَةُ الَّتِي تَتَنَوَّعُ إلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ تَنْصَرِفُ إلَى النَّفْلِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَوْمِ غَيْرِ رَمَضَانَ فَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمُطْلَقَ لِلْفَرْضِ دَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ نِيَّةِ النَّفْلِ لِلْفَرْضِ وَلَيْسَ فِي هَذَا فَسَادُ الْوَضْعِ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى الْعِلَّةِ نَقِيضَ مَا تَقْتَضِيهِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّ فِيهِ حَمْلَ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَهَذَا مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فَسَادَ الْوَضْعِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا كَوْنُ الْقِيَاسِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَثَانِيهِمَا كَوْنُ الْوَصْفِ مُشْعِرًا بِخِلَافِ الْحُكْمِ الَّذِي رُبِطَ بِهِ كَمَا يُذْكَرُ وَصْفٌ مُشْعِرٌ بِالتَّغْلِيظِ فِي رَوْمِ التَّخْفِيفِ وَبِالْعَكْسِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ: الْمَطْعُومُ شَيْءٌ ذُو خَطَرٍ) إذْ يَتَعَلَّقُ بِهِ قِوَامُ النَّفْسِ وَبَقَاءُ الشَّخْصِ كَالنِّكَاحِ يَتَعَلَّقُ بِهِ بَقَاءُ النَّوْعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ خَطَرَ الْمَطْعُومِ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّوْسِعَةِ أَنْسَبُ مِنْهُ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّضْيِيقِ، وَلِهَذَا كَانَ طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ وَالْهَوَاءِ أَيْسَرَ لِكَوْنِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا أَكْثَرَ فَفِي تَرْتِيبِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي تَمْلِيكِ الْمَطْعُومِ عَلَى كَوْنِهِ ذَا خَطَرٍ فَسَادُ الْوَضْعِ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ مَا يَقْتَضِيهِ

الصفحة 193