كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ أَنَّ تَغَيُّرَ وَصْفِ مَحَلِّ الْغَسْلِ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَقَوْلُهُ فِي التَّنْقِيحِ فَهِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَعْقُولٍ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى السَّبِيلَيْنِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مُؤَثِّرِيَّةَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ أَمْرٌ مَعْقُولٌ فَعَلَى تَقْدِيرِ الْهِدَايَةِ لَا يَرِدُ هَذَا الْإِشْكَالُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ إشْكَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ مَعْقُولًا يَنْبَغِي أَنْ يُقَاسَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي تَطْهِيرِ الْحَدَثِ كَمَا قَدْ قِيسَ فِي تَطْهِيرِ الْخَبَثِ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا قِيسَ فِي الْخَبَثِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا قَالِعَةٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQمَعْقُولٍ؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِفَ بِالنَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ أَعْنِي بِالْحَدَثِ جَمِيعُ الْبَدَنِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَإِزَالَتُهَا وَالتَّطَهُّرُ مِنْهَا بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ الْبَدَنِ خُصُوصًا الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَا تَخْرُجُ عَنْهُ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي ثُبُوتِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ لَيْسَتْ بِمَعْقُولَةٍ فَيَجِبُ أَنْ لَا تَحْصُلَ بِدُونِ النِّيَّةِ كَالتَّيَمُّمِ أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَإِنَّ دَفْعَ الْحَرَجِ إسْقَاطُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ فِي الْحَدَثِ الَّذِي يُعْتَادُ تَكَرُّرُهُ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِالْأَعْضَاءِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُدُودِ الْأَعْضَاءِ وَنِهَايَتِهَا طُولًا وَعَرْضًا أَوْ بِمَنْزِلَةِ أُصُولِهَا وَأُمَّهَاتِهَا لِكَوْنِهَا مَجْمَعَ الْحَوَاسِّ وَمَظْهَرَ الْأَفْعَالِ مَعَ أَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِإِصَابَةِ النَّجَسِ وَمَئِنَّةٌ لِسُهُولَةِ الْغُسْلِ أَمْرٌ مَعْقُولُ الشَّأْنِ مَقْبُولُ الْأَذْهَانِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ النِّيَّةِ وَاحْتِرَازٌ بِالْمُعْتَادِ عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ فَإِنَّهُ قَلِيلُ الْوُقُوعِ فَلَا حَرَجَ فِي غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُكْتَفَى بِالْبَعْضِ.
(قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ) حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ كَلَامَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي هَذَا الْمُقَامِ وَإِيرَادُ الْإِشْكَالِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْكَلَامَيْنِ ثُمَّ دَفْعُ الْمُنَافَاةِ وَحَلُّ الْإِشْكَالِ، أَمَّا الْمُنَافَاةُ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَغَيُّرَ وَصْفِ مَحَلِّ الْغُسْلِ وَانْتِقَالَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى الْخَبَثِ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّ تَأْثِيرَ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ مَعْقُولٌ، وَأَمَّا وُرُودُ الْإِشْكَالِ عَلَى كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَصِحُّ قِيَاسُ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَلَى السَّبِيلَيْنِ فِي الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْخَارِجِ النَّجَسِ مِنْهُ سَبَبًا لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَلَا يُوجِبُ صِحَّةَ قِيَاسِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ عَلَى الْمَاءِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ كَمَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْخَبَثِ إذْ لَا مَانِعَ سِوَى عَدَمِ مَعْقُولِيَّةِ النَّصِّ، وَأَمَّا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ وَدَفْعُ الْمُنَافَاةِ فَهُوَ أَنَّ مُرَادَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِعَدَمِ مَعْقُولِيَّةِ زَوَالِ الطَّهَارَةِ عَنْ مَحَلِّ الْغُسْلِ أَنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِإِدْرَاكِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وُرُودِ الشَّرْعِ إذَا لَا يُعْقَلُ أَنَّ تَنَجُّسَ الْيَدِ أَوْ الْوَجْهِ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، وَمُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِمَعْقُولِيَّةِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا حَكَمَ

الصفحة 197