كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فِي عُرْفِ النُّظَّارِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْخَلِيلِ فَإِنَّ الْحُجَّةَ الْأُولَى) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: 258]
(كَانَتْ مَلْزُومَةً وَاللَّعِينُ عَارَضَهُ بِأَمْرٍ بَاطِلٍ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258]
(فَالْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا خَافَ الِاشْتِبَاهَ وَالتَّلْبِيسَ عَلَى الْقَوْمِ انْتَقَلَ إلَى الْعِلَّةِ الَّتِي لَا يَكُونُ فِيهَا اشْتِبَاهٌ أَصْلًا وَالثَّالِثُ كَقَوْلِنَا الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَلَا تَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ) أَيْ إنْ أَعْتَقَ الْمُكَاتِبَ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ يَجُوزُ
(كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ يَجُوزُ إعْتَاقُهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا إذَا آجَرَ عَبْدًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ
(فَإِنْ قِيلَ عِنْدِي لَا يَمْنَعُ هَذَا الْعَقْدُ بَلْ نُقْصَانُ الرِّقِّ) أَيْ نُقْصَانُ الرِّقِّ يَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدِي
(فَنَقُولُ الرِّقُّ لَمْ يَنْقُصْ وَنُثْبِتْ هَذَا) أَيْ عَدَمَ نُقْصَانِ الرِّقِّ
(بِعِلَّةٍ أُخْرَى) وَهِيَ قَوْلُهُ الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِل الْفَسْخَ فَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْكَفَّارَةِ كَمَا نَقُولُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQنُورًا عَلَى نُورٍ وَإِضَاءَةً غِبَّ إضَاءَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ انْتِقَالُهُ خُلُوًّا عَنْ تَأْكِيدٍ لِلْأَوَّلِ وَتَوْضِيحٍ وَتَبْكِيتٍ لِلْخَصْمِ وَتَفْضِيحٍ كَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِحْيَاءِ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى الْبَدَنِ فَالشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ رُوحِ الْعَالَمِ لِإِضَاءَتِهِ بِهَا وَإِظْلَامِهِ بِغُرُوبِهَا فَإِنْ كُنْت تَقْدِرُ عَلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَأَعِدْ رُوحَ الْعَالَمِ إلَيْهِ بِأَنْ تَأْتِيَ الشَّمْسُ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ.

[فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) عَقَّبَ مَبَاحِثَ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْبَعْضُ فِي إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لِيَتَبَيَّنَ فَسَادُهَا لِيَظْهَرَ انْحِصَارُ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَهَذَا غَيْرُ التَّمَسُّكَاتِ الْفَاسِدَةِ؛ لِأَنَّهَا تَمَسُّكٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَكِنْ بِطَرِيقٍ فَاسِدَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ لِلتَّمَسُّكِ فَمِنْ الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ الِاسْتِصْحَابُ وَهُوَ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ أَمْرٍ كَانَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُظَنَّ عَدَمُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُلِّ شَيْءٍ أَيْ كُلِّ أَمْرٍ نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا ثَبَتَ وُجُودُهُ أَيْ تَحَقُّقُهُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ أَيْ لَمْ يَقَعْ ظَنٌّ بِعَدَمِهِ وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ دُونَ الْإِثْبَاتِ فَإِنْ قِيلَ إنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً لَزِمَ شُمُولُ الْوُجُودِ أَعْنِي كَوْنَهُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ وَإِلَّا لَزِمَ شُمُولُ الْعَدَمِ أُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى الدَّفْعِ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمٌ وَعَدَمُ الْحُكْمِ مُسْتَنِدٌ إلَى عَدَمِ دَلِيلِهِ فَالْأَصْلُ فِي الْعَدَمِ الِاسْتِمْرَارُ حَتَّى يَظْهَرَ دَلِيلُ الْوُجُودِ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا يُحَقِّقُ وُجُودَهُ أَوْ عَدَمَهُ فِي زَمَانٍ وَلَمْ يُظَنَّ مُعَارِضٌ يُزِيلُهُ فَإِنَّ لُزُومَ ظَنِّ بَقَائِهِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ وَلِهَذَا يُرَاسِلُ الْعُقَلَاءُ أَهَالِيهِمْ وَبِلَادَهُمْ رُبَّمَا كَانُوا يُشَافِقُونَهُمْ وَيُرْسِلُونَ الْوَدَائِعَ وَالْهَدَايَا وَيُعَامِلُونَ بِمَا يَقْتَضِي زَمَانًا مِنْ التِّجَارَاتِ وَالْقُرُوضِ وَالدُّيُونِ وَالْآخَرُونَ اسْتَبْعَدُوا دَعْوَى الضَّرُورَةِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فَتَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمَا وَقَعَ الْجَزْمُ بَلْ الظَّنُّ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ لِاحْتِمَالِ طَرَيَانِ النَّاسِخِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِبَقَاءِ شَرْعِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

الصفحة 202