كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الْكِتَابَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا تُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ
(وَإِنْ أَثْبَتْنَاهُ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَهُوَ نَظِيرُ الرَّابِعِ كَمَا نَقُولُ احْتِمَالُهُ الْفَسْخَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَمْ يَنْقُصْ وَكِلَاهُمَا صَحِيحَانِ وَالرَّابِعُ أَحَقُّ)
(؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا تَكُونُ تَامَّةً فِي قَطْعِ الشُّبُهَاتِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى حُكْمٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ كَذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ) .

(فَصْلٌ فِي الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ) الِاسْتِصْحَابُ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُلِّ شَيْءٍ ثَبَتَ وُجُودُهُ بِدَلِيلٍ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ لَهُ أَنَّ بَقَاءَ الشَّرَائِعِ بِالِاسْتِصْحَابِ وَلِأَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْحَدَثِ يَحْكُمُ بِالْوُضُوءِ وَفِي الْعَكْسِ بِالْحَدَثِ. إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُدَّعِي فَإِنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَهُ وَلَنَا أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَبَقَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَقَاءِ شَرْعِهِ أَبَدًا. وَثَانِيهِمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِصْحَابِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ مِثْلُ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ وَالْمِلْكِيَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي طَرَيَانِ الضِّدِّ وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِصْحَابُ لَمَا حَصَلَ الْجَزْمُ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ الْجَزْمُ بِبَقَائِهَا وَالْقَطْعُ بِعَدَمِ نَسْخِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ فِي شَرِيعَةِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَاتُرُ نَقْلِهَا وَتَوَاطُؤُ جَمِيعِ قَوْمِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا إلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَفِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَتِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ الْحُكْمِ وَعَدَمِ انْتِسَاخِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَهُوَ الِاسْتِصْحَابُ لَا غَيْرُ قُلْنَا قَدْ سَبَقَ فِي بَحْثِ النَّسْخِ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةٍ مُوجِبَةٍ قَطْعًا إلَى زَمَانِ نُزُولِ النَّاسِخِ وَعَدَمُ بَيَانِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلنَّاسِخِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ نُزُولِهِ إذْ لَوْ نَزَلَ لَبَيَّنَهُ قَطْعًا لِوُجُوبِ التَّبْلِيغِ وَالتَّبْيِينِ عَلَيْهِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْفُرُوعَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ بَلْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يُوجِبُ أَحْكَامًا مُمْتَدَّةً إلَى زَمَانِ ظُهُورِ الْمُنَاقِضِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ وَحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَالْوَطْءِ وَذَلِكَ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّارِعِ فَبَقَاءُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى تَحَقُّقِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْمُنَاقِضِ لَا إلَى كَوْنِ الْأَصْلِ فِيهَا هُوَ الْبَقَاءُ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمُزِيلُ وَالْمُنَافِي عَلَى مَا هُوَ قَضِيَّةُ الِاسْتِصْحَابِ وَهَذَا مَا يُقَالُ إنَّ الِاسْتِصْحَابَ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ، وَلَا لِلْإِلْزَامِ عَلَى الْغَيْرِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الْمُوجِبَ لِلْحُكْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ ضَرُورَةَ أَنَّ بَقَاءَ الشَّيْءِ غَيْرُ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِمْرَارِ الْوُجُودِ بَعْدَ الْحُدُوثِ وَرُبَّمَا يَكُونُ الشَّيْءُ مُوجِبًا لِحُدُوثِ الشَّيْءِ دُونَ اسْتِمْرَارِهِ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ عَدَمُ الدَّلَالَةِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ فَلَا نِزَاعَ

الصفحة 203