كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

لِلَّذِينَ جَاءُوا لِلصُّلْحِ اذْهَبُوا، فَلَا نُعْطِيهِمْ إلَّا السَّيْفَ» .
(وَاجْتِهَادُهُ لَا يَحْتَمِلُ الْقَرَارَ عَلَى الْخَطَأِ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ الْوَحْيُ الظَّاهِرُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ لَا ابْتِدَاءً، وَلَا بَقَاءً وَالْبَاطِنُ لَا يَحْتَمِلُ بَقَاءً) أَيْ: الْوَحْيُ الْبَاطِنُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ لَا حَالَةَ الِابْتِدَاءِ لَكِنْ لَا يَحْتَمِلُ الْقَرَارَ عَلَى الْخَطَأِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَقَاءِ وَالْوَحْيُ الظَّاهِرُ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ أَصْلًا لَا ابْتِدَاءً، وَلَا بَقَاءً فَكَانَ أَقْوَى.
(وَمُدَّةُ الِانْتِظَارِ مَا يَرْجُو نُزُولَهُ فَإِذَا خَافَ الْفَوْتَ فِي الْحَادِثَةِ يَعْمَلُ بِالرَّأْيِ) لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِانْتِظَارِ الْوَحْيِ لِلْعَمَلِ بِالرَّأْيِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الِانْتِظَارِ بَيَّنَ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ، وَهِيَ مَا يَرْجُو نُزُولَهُ.
(وَاَللَّهُ تَعَالَى إذَا سَوَّغَ لَهُ الِاجْتِهَادَ، كَانَ الِاجْتِهَادُ، وَمَا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ) ، وَهُوَ الْحُكْمُ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ (وَحْيًا لَا نُطْقًا عَنْ الْهَوَى) ، وَهَذَا جَوَابُ التَّمَسُّكِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] .

(فَصْلٌ فِي شَرَائِعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَهِيَ تَلْزَمُنَا حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ الْبَعْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] قَوْله تَعَالَى {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [المائدة: 46] وَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ الْمَاضِيَةِ الْخُصُوصُ إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا كَانَ فِي الْمَكَانِ) أَيْ: كَانَ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى لِكُلِّ قَوْمٍ نَبِيٌّ، وَيَتْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَبِيَّهُمْ دُونَ الْآخَرِ وَكُلٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَخْصُوصٌ لِمُعَيَّنٍ.
(وَمَا ذَكَرُوا) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] وقَوْله تَعَالَى {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97] (فَذَلِكَ فِي أُصُولِ الدِّينِ) وَعِنْدَ الْبَعْضِ تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهَا شَرِيعَةٌ لَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِزَمَانٍ إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ فِي الزَّمَانِ وَدَاعٍ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ كَلُوطٍ لِإِبْرَاهِيمَ، وَهَارُونَ لِمُوسَى - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - كَمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْخُصُوصَ بِمَكَانِ كَشُعَيْبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ، وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ وَمُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْخُصُوصُ، فَلَا يَثْبُتُ الْعُمُومُ فِي الْأَمْكِنَةِ، وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأُمَمِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرُوا غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْأُصُولِ) دَفْعٌ لِمَا أَوْرَدَهُ الْفَرِيقُ الثَّانِي مِنْ اخْتِصَاصِ الْآيَتَيْنِ بِالْأُصُولِ دُونَ الْفُرُوعِ وَلِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ أَحْكَامِهِمْ مِمَّا لَحِقَهُ النَّسْخُ، فَلَا يُقْتَدَى بِهِ، وَيَكُونُ مُغَيِّرًا لَهُ لَا مُصَدِّقًا أَجَابَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ تَغْيِيرًا بَلْ بَيَانًا لِمُدَّتِهِ فَمَا انْتَهَتْ مُدَّتُهُ ارْتَفَعَ وَلَمْ يَبْقَ لَنَا الِاتِّبَاعُ، وَمَا بَقِيَ لَزِمَنَا الِاتِّبَاعُ عَلَى أَنَّهُ شَرِيعَةٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

[فَصْلٌ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابِيِّ]
(قَوْلُهُ: وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِهِمَا) مَحَلُّ الْخِلَافِ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ هَلْ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ غَيْرِ صَحَابِيٍّ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا التَّابِعِيُّ) مَا ذَكَرَهُ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَقْلِيدَ إذْ هُمْ رِجَالٌ، وَنَحْنُ رِجَالٌ بِخِلَافِ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ جُعِلَ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ السَّمَاعِ وَزِيَادَةِ الْإِصَابَةِ فِي الرَّأْيِ بِبَرَكَةِ صُحْبَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

الصفحة 32