كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

فَرَسِهِ إذَا مَنَعَهُ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الصَّوْبِ الَّذِي هُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَسَّمُوا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْقَطِعِ ثُمَّ عَرَّفُوا كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ بِهِ لَكِنِّي لَمْ أَفْعَلْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الْمُتَّصِلُ، وَإِنَّمَا الْمُنْقَطِعُ يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَلَمْ أَجْعَلْ الْمُنْقَطِعَ قِسْمًا مِنْهُ لَكِنْ أَوْرَدْتُهُ فِي ذُنَابَةِ (الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ دُخُولِ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فِي حُكْمِهِ) .
أَيْ: فِي حُكْمِ صَدْرِ الْكَلَامِ، وَفِي مُتَعَلِّقٍ بِالدُّخُولِ، وَقَوْلُهُ: بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ لِيُخْرِجَ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُسْتَغْرَقَ.
(بِإِلَّا، وَأَخَوَاتِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْعِ، وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ التَّخْصِيصَاتِ، وَهَذَا تَعْرِيفٌ تَفَرَّدْتُ بِهِ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ سَائِرِ التَّعْرِيفَاتِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ هُوَ إخْرَاجٌ بِإِلَّا وَأَخَوَاتِهَا إنْ أَرَادَ حَقِيقَةَ الْإِخْرَاجِ فَمُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْحُكْمِ فَيَكُونَ تَنَاقُضًا وَالِاسْتِثْنَاءُ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ وَحَقِيقَةُ الْإِخْرَاجِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ وَالْمُسْتَثْنَى غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حُكْمِ صَدْرِ الْكَلَامِ، فَيَمْتَنِعُ الْإِخْرَاجُ مِنْ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا الْمُسْتَثْنَى دَاخِلٌ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ وَضْعًا وَالْإِخْرَاجُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ التَّنَاوُلُ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بَاقٍ فَعُلِمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِخْرَاجِ غَيْرُ مُرَادَةٍ عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ.
فَعُلِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي التَّعْرِيفِ الْوَصْفُ بِإِلَّا وَغَيْرِ وَسِوَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ قُلْنَا إنْ تَحَقَّقَ تَنَاوُلُ صَدْرِ الْكَلَامِ، وَعُمُومِهِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ، وَإِلَّا، فَلَا انْتِقَاضَ لِعَدَمِ التَّنَاوُلِ.
(قَوْلُهُ: قَالُوا) تَحْقِيقُ كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ بَيَانَ تَغْيِيرٍ أَمَّا التَّغْيِيرُ فَبِالنَّظَرِ إلَى شُمُولِ الْحُكْمِ لِلْجَمِيعِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا الْبَيَانُ فَبِالنَّظَرِ إلَى أَنَّهُ إظْهَارُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ الْبَعْضَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ مُخْتَارًا عِنْدَهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: مُوجَبُ الْكَلَامِ بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الثُّبُوتُ لِلْكُلِّ فَغُيِّرَ إلَى الثُّبُوتِ لِلْبَعْضِ وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لِلْبَعْضِ، وَقَالَ فِي التَّقْوِيمِ هُوَ تَغْيِيرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَفْعُ الْبَعْضِ، وَبَيَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَرَّرَ الْبَاقِي

(قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ عَمَلِهِ) قَدْ سَبَقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ تَنَاقُضًا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَكَ لِزَيْدٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إثْبَاتٌ لِلثَّلَاثَةِ فِي ضِمْنِ الْعَشَرَةِ وَنَفْيٌ لَهَا صَرِيحًا فَاضْطُرُّوا إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ عَمَلِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَرِدُ ذَلِكَ، وَحَاصِلُ أَقْوَالِهِمْ فِيهَا ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ أَنَّ الْعَشَرَةَ مَجَازٌ عَنْ السَّبْعَةِ، وَإِلَّا ثَلَاثَةً قَرِينَةٌ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِعَشْرَةٍ مَعْنَاهَا أَيْ: عَشْرَةُ أَفْرَادٍ فَيَتَنَاوَلُ السَّبْعَةَ، وَالثَّلَاثَةَ مَعًا ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْهَا ثَلَاثَةً حَتَّى بَقِيَتْ سَبْعَةٌ ثُمَّ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْعَشَرَةِ الْمُخْرَجِ مِنْهَا الثَّلَاثَةُ فَلَمْ يَقَعْ الْإِسْنَادُ إلَّا عَلَى سَبْعَةٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَجْمُوعَ أَعْنِي عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ سَبْعَةٍ حَتَّى كَأَنَّهُ وُضِعَ لَهَا اسْمَانِ مُفْرَدٌ هُوَ سَبْعَةٌ وَمُرَكَّبٌ هُوَ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً.
(قَوْلُهُ: مَعَ فَرْقٍ آخَرَ) هَذِهِ مَسْأَلَةُ

الصفحة 40