كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْرَاجِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مَجَازًا، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْحُدُودِ فَالتَّعْرِيفُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَوْلَى (قَالُوا هُوَ بَيَانُ تَغْيِيرٍ؛ لِأَنَّهُ يُغَيَّرُ مُوجَبُ صَدْرِ الْكَلَامِ إذْ لَوْلَاهُ لَشَمِلَ الْكُلَّ، وَمَعَ ذَلِكَ إنَّهُ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْبَعْضُ بِخِلَافِ النَّسْخِ فَإِنَّهُ تَغْيِيرٌ مَحْضٌ لِمَعْنَى الْكَلَامِ) .

(وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ عَمَلِهِ فَفِي قَوْلِهِ: عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ أَطْلَقَ الْعَشَرَةَ عَلَى السَّبْعَةِ فَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ: إلَّا ثَلَاثَةً يَكُونُ بَيَانًا لِهَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا فَيَكُونُ كَالتَّخْصِيصِ بِالْمُسْتَقِلِّ) فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَارِدٌ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ فِي الْبَعْضِ الْأَوَّلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ، وَالتَّخْصِيصُ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ وَعِنْدَنَا هَذَا الْفَرْقُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمَا مَعَ فَرْقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُثْبِتُ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَشَرَةَ يُرَادُ بِهَا السَّبْعَةُ إلَخْ هُوَ مَا قَالَ مَشَايِخُنَا: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ مِثْلَ دَلِيلِ الْخُصُوصِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُعَارَضَةِ أَنْ يُثْبِتَ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ صَدْرِ الْكَلَامِ.
وَإِنَّمَا قُلْتُ: إنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَنْعِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ هَذَا الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنَّ الْأَلْفَ اسْمُ عَلَمٍ لِلْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ لَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQاخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ هَلْ هُوَ نَفْيٌ أَمْ لَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَعَمْ حَتَّى يَكُونُ مَعْنَى إلَّا ثَلَاثَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا حَتَّى يَكُونُ مَعْنَاهُ عَدَمَ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الثَّلَاثَةِ، وَجَعْلُهَا فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لَا إثْبَاتٌ، وَلَا نَفْيٌ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ بِالْمُسْتَقِلِّ، فَإِنَّهُ يُثْبِتُ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ صَدْرِ الْكَلَامِ اتِّفَاقًا.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ) ذَكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الْبَيَانِ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ: عَلَيَّ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ التَّكَلُّمُ بِالْعَشَرَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الثَّلَاثَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ بِجَعْلِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بِمَعْنَى أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ إيقَاعٌ لِلْكُلِّ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الدَّالُّ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْبَعْضِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ، فَلَا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثَةُ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفًا فِي الْحُكْمِ فَأَجَابُوا بِأَنَّ الْكَلَامَ قَدْ يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي التَّخْصِيصِ.
وَقَدْ لَا يَنْعَقِدُ بِحُكْمِهِ كَمَا فِي طَلَاقِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ إلَّا أَنَّ إلْحَاقَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعَشَرَةَ بَلْ السَّبْعَةَ فَقَطْ لَزِمَ إثْبَاتُ مَا لَيْسَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ إذْ السَّبْعَةُ لَا تَصْلُحُ مُسَمًّى لِلَفْظِ الْعَشَرَةِ لَا حَقِيقَةً، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَا مَجَازًا إلَّا أَنَّ اسْمَ الْعَدَدِ نَصٌّ فِي

الصفحة 41