كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنِّصْفِ الْمُسْتَثْنَى نِصْفَ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْجَارِيَةِ فَالْمُرَادُ بِالْجَارِيَةِ كَانَ النِّصْفَ ثُمَّ نِصْفُ هَذَا النِّصْفِ مُسْتَثْنًى مِنْ النِّصْفِ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِيَةِ لَمْ يَكُنْ نِصْفًا بَلْ رُبْعًا وَالْمَفْرُوضُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى نِصْفُ مَا هُوَ الْمُرَادُ فَيَكُونُ نِصْفُ الرُّبْعِ مُسْتَثْنًى فَيَتَسَلْسَلُ هَذَا حِكَايَةُ مَا أَوْرَدَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْجَوَابُ الَّذِي خَطَرَ بِبَالِي هُوَ قَوْلُهُ:.
(قُلْنَا هُوَ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْبَعْضُ لَا أَنَّ الْمُتَنَاوِلَ هُوَ الْبَعْضُ فَإِنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ ثُمَّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمُتَنَاوَلِ لَا مِنْ الْمُرَادِ) أَيْ: الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْبَعْضُ لَا أَنَّ الْمُتَنَاوِلَ هُوَ الْبَعْضُ فَإِنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لِلْكُلِّ ثُمَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْمُتَنَاوِلِ إلَّا مِنْ الْمُرَادِ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءُ النِّصْفِ مِنْ الْكُلِّ.
(وَالْجَوَابُ) أَيْ: عَنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ (أَنَّ الْعَشَرَةَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: أَنَّ وُجُودَ التَّكَلُّمِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ فِي الْبَعْضِ شَائِعٌ.
(لَفْظٌ خَاصٌّ لِلْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ لَا عَامٌّ كَالْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَجُوزُ إرَادَةُ الْبَعْضِ بِالِاسْتِثْنَاءِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِالتَّخْصِيصِ، وَلَوْ صَحَّتْ مَجَازًا فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَقَوْلُهُمْ هُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَبِالْعَكْسِ مَجَازٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الصَّدْرِ لَا أَنَّهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِنَقِيضِ حُكْمِ الصَّدْرِ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» هُوَ كَقَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ بِغَيْرِ طُهُورٍ» وَلَوْ كَانَ نَفْيًا، وَإِثْبَاتًا يَلْزَمُ صَلَاةٌ طَهُورٌ ثَابِتَةٌ فَيَصِحُّ كُلُّ صَلَاةٍ بِطَهُورٍ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ فَرْدٍ) وَقَوْلُهُمْ هُوَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ إلَخْ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ: وَإِجْمَاعُهُمْ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَارِيَةِ نِصْفَهَا مَجَازًا، وَأَخْرَجَ النِّصْفَ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْكُلَّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ، أَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ غَيَّرَ اعْتِرَاضَ ابْنِ الْحَاجِبِ هَرَبًا عَنْ إشْكَالِ الضَّمِيرِ وَتَقْرِيرُ اعْتِرَاضِهِ أَنَّا قَاطِعُونَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ اشْتَرَيْت الْجَارِيَةَ إلَّا نِصْفَهَا لَمْ يُرِدْ بِالْجَارِيَةِ نِصْفَهَا، وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِثْنَاءُ نِصْفِهَا مِنْ نِصْفِهَا، وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَأَيْضًا يَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ؛ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ النِّصْفِ مِنْ الْجَارِيَةِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِهَا النِّصْفُ، وَإِخْرَاجُ النِّصْفِ مِنْ النِّصْفِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِهِ الرُّبُعُ، وَإِخْرَاجُ النِّصْفِ مِنْ الرُّبْعِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ بِهِ الثُّمُنُ، وَهَكَذَا إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ.
وَأَيْضًا إنَّا قَاطِعُونَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إلَى الْجَارِيَةِ بِكَمَالِهَا لَا إلَى نِصْفِهَا مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْجَارِيَةِ وَضَمِيرَهَا وَاحِدٌ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُ أَنْ يُرَادَ بِالْجَارِيَةِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ وَبِضَمِيرِهَا مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ عَلَى عَكْسِ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي صَنْعَةِ الِاسْتِخْدَامِ.
(قَوْلُهُ: وَالْجَوَابُ) أَجَابَ عَنْ الْحُجَّةِ الْأُولَى بِأَنَّ الْقَوْلَ بَلْ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ هُوَ الْبَعْضُ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ إذَا كَانَ اسْمَ عَدَدٍ فَإِنَّهُ لَفْظٌ خَاصٌّ فِي مَدْلُولِهِ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَمِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً، وَلَا مَجَازًا وَلَمَّا كَانَ هَذَا ضَعِيفًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ شَائِعٌ حَتَّى يَجْرِيَ فِي الْأَعْلَامِ بِأَنْ يُطْلَقَ زَيْدٌ

الصفحة 45