كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

«لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» عَامٌّ فِي زَعْمِكُمْ فَيَلْزَمَ عَلَيْكُمْ فَسَادَانِ.
أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ صَلَاةٍ بِطَهُورٍ جَائِزَةً. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ، إثْبَاتًا، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ، وَلَا يَشْكُلُ عَلَيْنَا لِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ لَا تَعُمُّ عِنْدَنَا فَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا يَصِيرُ كَقَوْلِهِ: بَعْضُ صَلَاةٍ بِطَهُورٍ جَائِزَةٌ، وَهَذَا حَقٌّ قُلْت الْمُسْتَثْنَى فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQإثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ، وَلَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِي أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا عَالِمًا يَبَرُّ بِإِكْرَامِ عَالِمٍ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَإِنَّمَا لَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ قَرِينَةُ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى هُوَ النَّوْعُ لَا الْفَرْدُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَلَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِعُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ لَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقَ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا صَلَاةَ سَلْبٌ كُلِّيٌّ بِمَعْنَى لَا شَيْءَ مِنْ الصَّلَاةِ بِجَائِزَةٍ، وَالسَّلْبُ الْكُلِّيُّ عِنْدَ وُجُوبِ الْمَوْضُوعِ فِي قُوَّةِ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ الْمَعْدُولِ الْمَحْمُولِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ غَيْرُ جَائِزٍ إلَّا فِي حَالِ اقْتِرَانِهَا بِالطَّهُورِ فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِكُلِّ صَلَاةٍ؛ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِالْبَعْضِ لَزِمَ جَوَازُ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِلَا طُهُورٍ ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ الطَّهُورُ إلَّا فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِذَا تَعَلَّقَ الِاسْتِثْنَاءُ بِكُلِّ فَرْدٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لَزِمَ تَعَلُّقُ إثْبَاتِ مَا نُفِيَ عَنْ الصَّدْرِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ جَائِزٌ حَالَ اقْتِرَانِهَا بِالطَّهُورِ، وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ.
فَإِنْ قُلْت مَعْنَى تَعَلُّقِ الِاسْتِثْنَاءِ بِكُلِّ وَاحِدٍ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَثْنَى قَدْ أُخْرِجَ مِنْ الْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِكُلِّ وَاحِدٍ، وَهُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ وَأُثْبِتَ لَهُ حُكْمٌ مُخَالِفٌ لَهُ، وَهُوَ الْجَوَازُ، فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ كُلِّ صَلَاةٍ مُلْتَصِقَةٍ بِالطَّهُورِ قُلْتُ الْمُخْرَجُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ بَعْضُ الْأَحْوَالِ لَا بَعْضُ أَفْرَادِ الصَّلَاةِ إذْ الدَّلِيلُ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إلَّا بِطُهُورٍ حَالًا، وَالْمَعْنَى لَا صَلَاةَ جَائِزَةً فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي حَالِ اقْتِرَانِهَا بِالطَّهُورِ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ فَهِيَ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا فِي تِلْكَ الْحَالِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ حِينَئِذٍ كَمَا تَقُولُ: مَا جَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا رَاكِبِينَ بِمَعْنَى جَاءُوا رَاكِبِينَ لَا مَاشِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُثْبَتَ عَلَى الْحَالَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ يَكُونُ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمَنْفِيَّ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ وَبِالْعَكْسِ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَعَلُّقَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْبَعْضِ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِلَا طُهُورٍ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً كَيْفَ، وَالْحُكْمُ الْكُلِّيُّ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوطَ بِالطَّهُورِ هُوَ جَوَازُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ.
وَالدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا، وَالْمَعْنَى لَا صَلَاةَ إلَّا صَلَاةٌ مُلْتَصِقَةٌ بِالطَّهُورِ نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمَوْضُوعَ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ نَكِرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى فَرْدٍ مَا، وَإِنَّمَا جَاءَ عُمُومُهَا مِنْ ضَرُورَةِ وُقُوعِهَا فِي

الصفحة 48