كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

أَيْ: فِي قَوْلِهِ: لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا، عَالِمًا وَقَوْلُهُ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» عَامٌّ عِنْدَنَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا فِي كِلْتَيْهِمَا لَكِنْ فِي قَوْلِهِ: لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا لَا يَدْخُلُ فِي الْخُلْفِ شَيْءٌ مِنْ أَفْرَادِ الْعَالِمِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُجَالَسَةُ كُلِّ عَالِمٍ فَإِبَاحَةُ الْمُجَالَسَةِ لِكُلِّ عَالِمٍ لِهَذَا الْمَعْنَى لَا، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ» كُلُّ صَلَاةٍ بِطُهُورٍ غَيْرُ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالْجَوَازِ عِنْدَنَا، فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْفَسَادَيْنِ عَلَيْنَا بَلْ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، وَأَيْضًا يَجِيءُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ الْفَرْقَ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ يَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْمُسْتَثْنَى فَتَكُونُ الصَّلَاةُ الْخَالِيَةُ عَنْ الطَّهُورِ عِلَّةً؛ لِعَدَمِ جَوَازِهَا فَكُلَّمَا خَلَتْ عَنْهُ لَا تَجُوزُ فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا يَكُونُ كَوْنُهَا مُقَارِنَةً لِلطَّهُورِ عِلَّةً لِلْجُمْلَةِ الْإِثْبَاتِيَّةِ فَتَعُمُّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ.
(وقَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] هُوَ كَقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا عَمْدًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ إذْنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQسِيَاقِ النَّفْيِ فَفِي جَانِبِ الِاسْتِثْنَاءِ يُوجَدُ أَيْضًا ذَلِكَ الْمَوْضُوعُ، وَلَا يَعُمُّ لِكَوْنِهِ فِي الْإِثْبَاتِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا صَلَاةَ جَائِزَةٌ إلَّا فِي حَالِ الِاقْتِرَانِ بِالطَّهُورِ فَإِنَّ فِيهَا يَنْتَفِي هَذَا الْحُكْمُ، وَيَثْبُتُ نَقِيضُهُ، وَهُوَ جَوَازُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إذْ نَقِيضُ السَّلْبِ الْكُلِّيِّ إيجَابٌ جُزْئِيٌّ كَمَا يُقَالُ: مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إلَّا رَاكِبًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ) حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّكُمْ قَائِلُونَ بِعُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ، وَقَدْ ذَكَرْتُمْ فِي مِثْلِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا أَنَّ لَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ عَالِمٍ فَيَلْزَمُ هَاهُنَا أَيْضًا أَنْ تَصِحَّ كُلُّ صَلَاةٍ بِطُهُورٍ، وَهَذَا قَوْلٌ بِكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّا قَائِلُونَ بِالْعُمُومِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُنَا الْحُكْمُ بِجَوَازِ كُلِّ صَلَاةٍ بِطُهُورٍ بَلْ يَلْزَمُنَا عَدَمُ الْحُكْمِ بِعَدَمِ جَوَازِ كُلِّ صَلَاةٍ بِطُهُورٍ، وَهَذَا أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ، وَالْعَامُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْخَاصَّ، وَأَمَّا جَوَازُ مُجَالَسَةِ كُلِّ عَامٍّ فَإِنَّمَا هِيَ بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ لَا بِدَلَالَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ إنَّمَا حَرَّمَ مُجَالَسَةَ غَيْرِ الْعَالِمِ فَبِالِاسْتِثْنَاءِ أَخْرَجَ الْعَالِمَ عَنْ تَحْرِيمِ الْمُجَالَسَةِ فَبَقِيَ مُبَاحَ الْمُجَالَسَةِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا) لَمَّا لَمْ يُسَلِّمْ الْخَصْمُ قَاعِدَةَ عُمُومِ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ أَثْبَتَ لُزُومَ الْعُمُومِ فِي مِثْلِ لَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ بِطَرِيقٍ إلْزَامِيٍّ، وَهُوَ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي بَابِ الْقِيَاسِ، أَنَّ مِنْ مَرَاتِبِ إثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ بِوَصْفَيْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] فَإِنَّ الْعَفْوَ عِلَّةٌ لِسُقُوطِ الْمَفْرُوضِ فَهَاهُنَا لَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ إثْبَاتًا لَكَانَ الِاقْتِرَانُ بِالطَّهُورِ عِلَّةَ الْجَوَازِ، وَالْخُلُوُّ عَنْهُ عِلَّةَ عَدَمِ الْجَوَازِ فَيَلْزَمُ جَوَازُ كُلِّ صَلَاةٍ مُقْتَرِنَةٍ بِالطَّهُورِ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ عَارَضَهُ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الطَّهُورِ لَيْسَ عِلَّةً لِلْجَوَازِ بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْعِلِّيَّةُ لَمْ

الصفحة 49