كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

ذِي نُطْقٍ كُلٌّ مِنْهَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ، وَكَذَا لَفْظُ فَرَسٍ وَحَيَوَانٍ ذِي صَهِيلٍ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
(وَأَيْضًا مَنْقُوضٌ بِنَحْوِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالْإِعْرَابُ فِي وَسَطِهِ (وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ عُلَمَائِنَا، وَبَعْضُهُمْ) أَيْ: بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَالْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (مَالُوا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْغَيْرِ الْعَدَدِيِّ إلَى الثَّانِي بِحُكْمِ الْعُرْفِ) أَيْ: إلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُ إخْرَاجٌ قَبْلَ الْحُكْمِ ثُمَّ حُكْمٌ عَلَى الْبَاقِي.
(وَقَدْ فُهِمَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: أَنَّ إثْبَاتَ الْإِلَهِ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَخِيرِ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ، وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ بَلْ شَبَّهُوا الِاسْتِثْنَاءَ بِالْغَايَةِ) .
اعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَشْرَةُ أَفْرَادٍ وَيُحْكَمَ بِإِثْبَاتِهَا، وَهُوَ التَّنَاقُضُ أَوْ يُرَادَ سَبْعَةُ أَفْرَادٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ أَوْ يُرَادَ عَشْرَةُ أَفْرَادٍ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الثَّانِي.
فَمُجَرَّدُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ مَوْضُوعٌ لِلسَّبْعَةِ بِالنَّوْعِ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا بَلْ التَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَهُوَ أَنَّ عَشْرَةً أُخْرِجَتْ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ مَجَازٌ لِلسَّبْعَةِ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ عَشْرَةٌ، وَلَا شَيْءَ مِنْ السَّبْعَةِ بِعَشْرَةٍ، وَالْعَشَرَةُ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ وَقَبْلَهُ مَفْهُومٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَتْ السَّبْعَةُ بِعَشْرَةٍ عَلَى حَالٍ أَطْلَقْتهَا أَوْ قَيَّدْتهَا إنَّمَا هِيَ الْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يُقَالُ: إنَّهَا أَرْبَعَةٌ ضُمَّتْ إلَيْهَا ثَلَاثَةٌ وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَرْبَعَةٍ أَصْلًا.
وَإِنَّمَا هِيَ الْحَاصِلُ مِنْ ضَمِّ الْأَرْبَعَةِ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ إنَّ السَّبْعَةَ مُرَادَةٌ فِي مِثْلِ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً فَإِنْ قُلْنَا: هَذَا التَّرْكِيبُ حَقِيقَةٌ فِي عَشْرَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِأَنَّهَا أُخْرِجَتْ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ، فَكَانَ مَجَازًا فِي السَّبْعَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْبَاقِي مِنْ الْعَشَرَةِ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَدْلُولُهَا عَشْرَةً مُقَيَّدَةً فَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلسَّبْعَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ لَهُ وَضْعًا وَاحِدًا كَمَا يُتَصَوَّرُ بَلْ عَلَى أَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَازِمٍ مُرَكَّبٍ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمُرَكَّبٍ يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ لَوَازِمِهِ، وَذَلِكَ فِي الْعَدَدِ ظَاهِرٌ فَإِنَّكَ قَدْ تَنْقُضُ عَدَدًا مِنْ عَدَدٍ حَتَّى يَبْقَى الْمَقْصُودُ كَمَا تَنْقُضُ ثَلَاثَةً مِنْ عَشْرَةٍ حَتَّى تَبْقَى سَبْعَةٌ، وَقَدْ يُضَمُّ عَدَدٌ إلَى عَدَدٍ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَقْصُودُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
بِنْتُ سَبْعٍ وَأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ ... هِيَ حُبُّ الْمُتَيَّمِ الْمُشْتَاقِ
وَالْمُرَادُ مِنْهُ بِنْتُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِغَيْرِهِمَا كَمَا يُقَالُ: الْعَشَرَةُ جِذْرُ الْمِائَةِ وَضِعْفُ الْخَمْسَةِ وَرُبْعُ الْأَرْبَعِينَ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمَذْهَبُ الْأَخِيرُ، وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى أَحَدِهِمَا، وَأَنْتَ بَعْدَ ذَلِكَ خَبِيرٌ بِمَا يَرِدُ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي أَبْطَلُوا بِهَا الْمَذْهَبَيْنِ.
(قَوْلُهُ: شَبَّهُوا الِاسْتِثْنَاءَ بِالْغَايَةِ) حَيْثُ قَالُوا: إنَّ مُوجَبَ صَدْرِ الْكَلَامِ يَنْتَهِي بِالِاسْتِثْنَاءِ انْتِهَاءَ الْإِثْبَاتِ

الصفحة 53