كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

جَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مَصْرُوفًا إلَى قَوْلِهِ: وَلَا تَقْبَلُوا، وَقَوْلِهِ: وَأُولَئِكَ لَا إلَى قَوْلِهِ: فَاجْلِدُوا حَتَّى أَنَّ الْجَلْدَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
وَعَدَمَ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَالْفِسْقَ يَسْقُطَانِ بِالتَّوْبَةِ عِنْدَهُ، وَالْجُمَلُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي آيَةِ الْقَذْفِ هِيَ قَوْلُهُ: فَاجْلِدُوا، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَقْبَلُوا، وَقَوْلُهُ: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] وَنَحْنُ جَعَلْنَا الْأَوَّلَيْنِ جَزَاءً؛ لِأَنَّهُمَا أُخْرِجَا بِلَفْظِ الطَّلَبِ مُفَوَّضَيْنِ إلَى الْأَئِمَّةِ وَجَعَلْنَا " وَأُولَئِكَ " مُسْتَأْنَفًا؛ لِأَنَّهَا بِطَرِيقِ الْإِخْبَارِ، وَالِاسْتِثْنَاءَ مَصْرُوفًا إلَى أُولَئِكَ.

(وَمِنْ أَقْسَامِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ الشَّرْطُ، وَقَدْ مَرَّ) أَيْ: فِي فَصْلِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ. (وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ إلَّا نِصْفَ الْعَبْدِ أَنَّهُ يَقَعُ الْبَيْعُ عَلَى النِّصْفِ بِأَلْفٍ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي فَكَأَنَّهُ قَالَ: بِعْت نِصْفَ الْعَبْدِ بِأَلْفٍ. (وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ يَقَعُ عَلَى النِّصْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَكَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِفَائِدَةِ تَقْسِيمِ الثَّمَنِ ثُمَّ يَخْرُجُ، وَلَا يَفْسُدُ بِهَذَا الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَالْكَذِبَ، وَرُبَّمَا يَكُونُ حِسْبَةً يَعْنِي أَنَّهُمْ الْفَاسِقُونَ الْعَاصُونَ بِهَتْكِ سِتْرِ الْعِفَّةِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ حِينَ عَجَزُوا عَنْ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَلِهَذَا اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْرِضِ التَّعْلِيلِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَكُونَ رَدُّ الشَّهَادَةِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ فَتُقْبَلُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِزَوَالِ الْفِسْقِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُعْطَفُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْوَاوِ بَلْ رُبَّمَا يَذْكُرُ الْفَاءَ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ جَعْلِهَا عِلَّةً لِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ فَإِنْ قِيلَ الْوَاوُ لِمُجَرَّدِ النَّسَقِ، وَالنَّظْمِ دُونَ الْعَطْفِ عَلَى حُكْمٍ قُلْنَا فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ إذَا جَعَلْنَاهَا فِي مَعْرِضِ الْعِلَّةِ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهُ أَقْرَبُ

(قَوْلُهُ: وَمِنْ أَقْسَامِ بَيَانِ التَّغْيِيرِ الشَّرْطُ) أَمَّا أَنَّهُ تَغْيِيرٌ فَلِأَنَّهُ غَيَّرَ الصِّيغَةَ عَنْ أَنْ تَصِيرَ إيقَاعًا، وَيَثْبُتُ مُوجَبُهَا، وَأَمَّا أَنَّهُ بَيَانٌ فَلِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ يَحْتَمِلُ عَدَمَ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّكَلُّمِ بِالْعِلَّةِ مَعَ تَرَاخِي الْحُكْمِ كَبَيْعِ الْخِيَارِ، وَبِالشَّرْطِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْمُحْتَمَلَ مُرَادٌ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّهُ بَيَانُ تَبْدِيلٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى أَنْتَ حُرٌّ نُزُولُ الْعِتْقِ فِي الْمَحَلِّ وَاسْتِقْرَارُهُ فِيهِ، وَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ بِنَفْسِهِ فَبِالشَّرْطِ يَتَبَدَّلُ ذَلِكَ، وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ تَامَّةٍ، وَلَا إيجَابَ لِلْعِتْقِ بَلْ يَمِينٌ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ تَغْيِيرٌ لَا تَبْدِيلٌ إذْ لَمْ يَخْرُجْ كَلَامُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْبَارًا بِالْوَاجِبِ.
وَقَدْ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْإِيجَابِ إلَّا أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ فِي بَعْضِ الْجُمْلَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى مُوجَبًا فِيهِ لَا فِي الْحَالِ، وَلَا فِي الْمَآلِ، وَالتَّعْلِيقُ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ فِي الْحَالِ لَا فِي الْمَآلِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَفْسُدُ) أَيْ: الْبَيْعُ الْوَاقِعُ بِقَبُولِهِ بِعْت هَذَا الْعَبْدَ مِنْك بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِي نِصْفَهُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَهُوَ كَوْنُ نِصْفِهِ لَهُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ كَلِمَةَ عَلَى تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ هَذَا بِالتَّحْقِيقِ لَيْسَ بَيْعًا بِالشَّرْطِ بَلْ هُوَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ شَيْئَيْنِ أَيْ: أَحَدِ النِّصْفَيْنِ مِنْ نِصْفَيْ الْعَبْدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ جِهَةٍ

الصفحة 61