كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

مُرَادُهُمْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُؤَقَّتَةٌ إلَى وَقْتِ وُرُودِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ إذْ ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّ مُوسَى وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَشَّرَا بِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَأَوْجَبَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ ظُهُورِهِ، وَإِذَا كَانَ مُؤَقَّتًا الْأَوَّلُ لَا يُسَمَّى الثَّانِي نَاسِخًا وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُ نَسْخًا بِقَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الْآيَةَ.
(أَمَّا النَّقْلُ فَفِي التَّوْرَاةِ تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَادَّعَوْا نَقْلَهُ تَوَاتُرًا، وَيَدَّعُونَ النَّقْلَ عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَتِهِ) قُلْنَا هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِوُجُودِ التَّحْرِيفِ.
(وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّهُ يُوجِبُ كَوْنَ الشَّيْءِ مَأْمُورًا بِهِ، وَمَنْهِيًّا عَنْهُ فَيَكُونُ حَسَنًا وَقَبِيحًا؛ وَلِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبَدَاءَ وَالْجَهْلَ بِالْعَوَاقِبِ، وَلَنَا أَنَّ حِلَّ الْأَخَوَاتِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQنَقُولُ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ النَّسْخِ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي وُرُودِ نَصٍّ يَقْتَضِي حُكْمًا مُخَالِفًا لِمَا يَقْتَضِيهِ نَصٌّ سَابِقٌ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى تَوْقِيتٍ بَلْ جَارٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ التَّأْبِيدُ، وَلِهَذَا كَانَ تَفْصِي الْمُخَالِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ارْتِفَاعِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً إلَى ظُهُورِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مُطْلَقَةً يُفْهَمُ مِنْهُ التَّأْبِيدُ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الْآيَةَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بِشَارَةَ مُوسَى، وَعِيسَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِشَرْعِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَإِيجَابَهُمَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ يَقْتَضِيَانِ تَوْقِيتَ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُفَسِّرًا أَوْ مُقَرِّرًا أَوْ مُبَدِّلًا لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ التَّوْقِيتُ بَلْ هِيَ مُطْلَقَةٌ يُفْهَمُ مِنْهَا التَّأْبِيدُ فَتَبْدِيلُهَا يَكُونُ نَسْخًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَمِثْلُ التَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ كَانَ مُطْلَقًا فَرُفِعَ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا النَّقْلُ:) الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِ نَسْخِ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَقْلًا تَمَسَّكُوا بِكِتَابِهِمْ، وَقَوْلِ نَبِيِّهِمْ وَادَّعَوْا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ أَمَّا الْكِتَابُ فَمَا نَقَلُوا أَنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ أَيْ: بِالْعِبَادَةِ فِيهِ، وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَلَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَ السَّبْتِ وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَمَا نَقَلُوا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَفِي لَفْظِ الِادِّعَاءِ إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ، وَهُوَ مَنْعُ التَّوَاتُرِ، وَالْوُثُوقُ عَلَى كِتَابِهِمْ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَاخْتِلَافِ النُّسَخِ وَتَنَاقُضِ الْأَحْكَامِ كَيْفَ وَلَمْ يَبْقَ فِي زَمَنِ بُخْتُ نَصَّرَ مِنْ الْيَهُودِ عَدَدٌ يَكُونُ إخْبَارُهُمْ مُتَوَاتِرًا وَخَبَرُ تَأْبِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى مِمَّا افْتَرَاهُ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَاشْتَهَرَ مُعَارَضَتُهُمْ بِهِ مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى دَفْعِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَالْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِ النَّسْخِ عَقْلًا تَمَسَّكُوا بِوَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُوجِبُ كَوْنَ الشَّيْءِ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ فَيَلْزَمُ حُسْنُهُ، وَقُبْحُهُ لِذَاتِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.
الثَّانِي: أَنَّ

الصفحة 63