كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

وَلَا الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَكُونُ مِنْ بَابِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَرِّدٌ بِبَيَانِ الشَّرَائِعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِفَسَادِ الْأَخِيرَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ (وَالسُّنَّةُ دُونَهُ) أَيْ: دُونَ الْكِتَابِ.
(وقَوْله تَعَالَى {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] وَلِقَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ» الْحَدِيثَ) أَوَّلُهُ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «يَكْثُرُ لَكُمْ الْأَحَادِيثُ مِنْ بَعْدِي فَإِذَا رُوِيَ لَكُمْ عَنِّي حَدِيثٌ فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ وَافَقَهُ فَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ» .
(وَلِأَنَّهُ إنْ نُسِخَ الْكِتَابُ بِالسُّنَّةِ يَقُولُ الطَّاعِنُ خَالَفَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ كَلَامُ رَبِّهِ، وَإِنْ نُسِخَ السُّنَّةُ بِالْكِتَابِ يَقُولُ كَذَّبَهُ رَبُّهُ، فَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِالْأَخَوَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تُحْجَبُ بِالْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَيْنِ.
قُلْنَا نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ سَقَطَ لِسُقُوطِ سَبَبِهِ لَا لِوُرُودِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ عَلَى ارْتِفَاعِهِ، وَدَلَالَةُ النَّصِّ عَلَى عَدَمِ الْحَجْبِ بِالْأَخَوَيْنِ تُبْتَنَى عَلَى كَوْنِ الْمَفْهُومِ حُجَّةً وَكَوْنِ أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً، وَلَا قَطْعَ بِذَلِكَ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ نَسْخَ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ جَائِزٌ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُمَا، وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْعَقِدَ إجْمَاعٌ لِمَصْلَحَةٍ ثُمَّ تَتَبَدَّلُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فَيَنْعَقِدُ إجْمَاعٌ نَاسِخٌ لَهُ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْسَخُ، وَلَا يُنْسَخُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَلَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا ظُهُورُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ إجْمَاعَهُمْ أَوَّلًا عَلَى الْخَطَأِ مَعَ لُزُومِ كَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ.
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَنَدُ الْإِجْمَاعِ الثَّانِي قِيَاسًا قُلْنَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ عَدَمُ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسُوخُ بِالْإِجْمَاعِ هُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّيْءِ بِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُخَالِفَ لِلنَّصِّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَنِدًا إلَى نَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى النَّصِّ الْأَوَّلِ الَّذِي نَجْعَلُهُ مَنْسُوخًا بِهِ لَا يُقَالُ: فَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّاسِخُ هُوَ النَّصُّ الرَّاجِحُ لَا الْإِجْمَاعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ لَا يُعْلَمَ تَرَاخِي ذَلِكَ النَّصِّ، فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ نَاسِخًا بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَرَاخِيًا لَا مَحَالَةَ فَيَصْلُحُ نَاسِخًا.
(قَوْلُهُ: وَإِلَى هَذَا) يَعْنِي أَشَارَ بِقَوْلِهِ: تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] إلَى أَنَّ الْإِيصَاءَ الَّذِي فَوَّضَ إلَى الْعِبَادِ قَدْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ لِعِلْمِهِ بِجَهْلِ الْعِبَادِ، وَعَجْزِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِهِ فَصَارَ بَيَانُ الْمَوَارِيثِ كَأَنَّهُ الْإِيصَاءُ، وَكَذَا الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» مُشْعِرٌ بِأَنَّ ارْتِفَاعَ وَصِيَّةِ الْوَارِثِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ شَرْعِيَّةِ الْمِيرَاثِ كَمَا يُقَالُ: زَارَنِي

الصفحة 68