كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ هَذَا بِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ بَلْ يَكُونُ كُلُّ الِاعْتِقَادِيَّاتِ كَذَلِكَ.

[فَصْلٌ] الرَّاوِي إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ وَإِمَّا مَجْهُولٌ أَيْ: لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْعَبَادِلَةِ (أَيْ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) وَزَيْدٍ، وَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَائِشَةَ وَنَحْوِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَحَدِيثُهُ يُقْبَلُ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَوْ خَالَفَهُ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَخْبَارُ آحَادٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهَا كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ حُجَّةً، وَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؟ قُلْنَا: تَفَاصِيلُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ آحَادًا إلَّا أَنَّ جُمْلَتَهَا بَلَغَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَجُودِ حَاتِمٍ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ التَّوَاتُرُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ الشُّهْرَةِ وَرُبَّمَا يُسْتَدَلُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنَّهُ نُقِلَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ الِاسْتِدْلَال بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَعَمَلُهُمْ بِهِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي لَا تَكَادُ تُحْصَى، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ وَشَاعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَذَلِكَ يُوجِبُ الْعِلْمَ عَادَةً بِإِجْمَاعِهِمْ كَالْقَوْلِ الصَّرِيحِ، وَقَدْ دَلَّ سِيَاقُ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ كَانَ بِنَفْسِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَمَا نُقِلَ مِنْ إنْكَارِهِمْ بَعْضَ أَخْبَارِ الْآحَادِ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قُصُورٍ فِي إفَادَةِ الظَّنِّ وَوُقُوعِ رِيبَةٍ فِي الصِّدْقِ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِخْبَارُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ) دَلِيلَانِ مُسْتَقِلَّانِ عَلَى كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُوجِبًا لِلْعِلْمِ تَقْرِيرُ الْأَوَّلِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَتَفَاصِيلِ الْحَشْرِ وَالصِّرَاطِ وَالْحِسَابِ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الِاعْتِقَادَ إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ عَمَلٌ مِنْ الْفُرُوعِ.
وَتَقْرِيرُ الثَّانِي أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَبِالْعَدَالَةِ تَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى احْتِمَالُ الْكَذِبِ، وَهُوَ مَعْنَى الْعِلْمِ وَجَوَابِهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ تَرَجُّحَ جَانِبِ الصِّدْقِ إلَى حَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ الْكَذِبُ أَصْلًا بَلْ الْعَقْلُ شَاهِدٌ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَا يُوجِبُ الْيَقِينَ، وَأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ قَائِمٌ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا وَإِلَّا لَزِمَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ عِنْدَ إخْبَارِ الْعَدْلَيْنِ بِهِمَا.
وَجَوَابُ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِي بَابِ الْآخِرَةِ مِنْهَا مَا اُشْتُهِرَ فَيُوجِبُ عِلْمَ الطُّمَأْنِينَةِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَيُفِيدُ الظَّنَّ وَذَلِكَ فِي التَّفَاصِيلِ وَالْفُرُوعِ، وَمِنْهَا مَا تَوَاتَرَ وَاعْتُضِدَ بِالْكِتَابِ وَهُوَ فِي الْجُمَلِ وَالْأُصُولِ فَيُفِيدُ الْقَطْعَ. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ عَقْدُ الْقَلْبِ، وَهُوَ عَمَلٌ فَيَكْفِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَقْدُ الْقَلْبِ فِي غَيْرِ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَعْنَى الْعِلْمِ، وَقَدْ بُيِّنَ فَسَادُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ إنَّمَا وَرَدَتْ لِعَقْدِ الْقَلْبِ وَالْجَزْمِ بِالْحُكْمِ، وَفِي غَيْرِهَا لِلْعَمَلِ دُونَ الِاعْتِقَادِ فَوَجَبَ الْإِتْيَانُ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا

[فَصْلٌ الرَّاوِي إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ وَإِمَّا مَجْهُولٌ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) حَاصِلُهُ أَنَّ الرَّاوِيَ إمَّا مَعْرُوفٌ بِالرِّوَايَةِ أَوْ مَجْهُولٌ أَمَّا الْمَعْرُوفُ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفِقْهِ يُقْبَلُ سَوَاءٌ وَافَقَ الْقِيَاسَ أَمْ لَا، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُوَافِقَ قِيَاسًا مَا فَيُقْبَلُ أَوْ لَا فَيُرَدُّ، وَأَمَّا الْمَجْهُولُ فَإِمَّا أَنْ يَظْهَرَ حَدِيثُهُ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ

الصفحة 7