كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

بِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يَسْتَقِيمَانِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ إنْ أَتَى بِهِ كَمَا هُوَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ (وَقِيلَ: إنْ صَارَ الْكُلُّ شَيْئًا وَاحِدًا كَانَ نَسْخًا كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ لَا كَالْوُضُوءِ فِي الطَّوَافِ، وَاخْتَارَ الْبَعْضُ قَوْلَ أَبِي الْحُسَيْنِ) وَذَكَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَأُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُخْتَارَ قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ، وَهُوَ: أَنَّهُ (لَا شَكَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ تُبَدِّلُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ) أَيْ: الشَّيْءُ الْمُبَدَّلُ (حُكْمًا شَرْعِيًّا تَكُونُ نَسْخًا وَإِلَّا نَحْوَ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا أَصْلِيًّا فَلَا. وَلَنَا أَنَّ زِيَادَةَ الْجُزْءِ إمَّا بِالتَّخْيِيرِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بَعْدَ مَا كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا أَوْ وَاحِدَ اثْنَيْنِ فَتَرْفَعُ حُرْمَةَ التَّرْكِ، وَإِمَّا بِإِيجَابِ شَيْءٍ زَائِدٍ فَتَرْفَعُ أَجْزَاءِ الْأَصْلِ كَزِيَادَةِ الشَّرْطِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ نَسْخٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ زِيَادَةُ الْجُزْءِ وَزِيَادَةُ الشَّرْطِ، أَمَّا زِيَادَةُ الْجُزْءِ فَإِنَّمَا تَكُونُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: الْأَوَّلِ بِالتَّخْيِيرِ فِي اثْنَيْنِ بَعْدَمَا كَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا فَالزِّيَادَةُ هُنَا تَرْفَعُ حُرْمَةَ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ الْوَاحِدِ.
وَالثَّانِي بِالتَّخْيِيرِ فِي الثَّلَاثَةِ بَعْدَ مَا كَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ اثْنَيْنِ فَالزِّيَادَةُ هُنَا تَرْفَعُ حُرْمَةَ تَرْكِ أَحَدِ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ، وَالثَّالِثِ: بِإِيجَابِ شَيْءٍ زَائِدٍ فَالزِّيَادَةُ هُنَا تَرْفَعُ أَجْزَاءَ الْأَصْلِ، وَأَمَّا زِيَادَةُ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَرْفَعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْآخَرِ فَيَكُونُ نَسْخًا، وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُقَيَّدَ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِدُونِ الْقَيْدِ بِحَسَبِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ فَهُوَ قَوْلٌ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَهُوَ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمَ) أَيْ: لَوْ كَانَ التَّوَقُّفُ عَلَى عَدَمِ الْخَلَفِ مُوجِبًا لِكَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرَ شَرْعِيٍّ لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ كُلِّ شَيْءٍ، وَحُرْمَةَ تَرْكِهِ يُبْتَنَى عَلَى عَدَمِ الْخَلَفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخَلَفِ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ مَعًا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَيَكُونُ فَرْضِيَّةُ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ مَثَلًا ثَابِتَةً بِالنَّصِّ، وَحُرْمَةُ تَرْكِهِمَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى عَدَمِ الْخَلَفِ، وَأَيْضًا لَا مَعْنَى لِتَوَقُّفِ حُرْمَةِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ الْخَلَفِ فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ نَفْيُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى عَدَمِ الْخَلَفِ حُكْمًا شَرْعِيًّا؟
(قَوْلُهُ: وَأَيْضًا التَّخْيِيرُ) لَمَّا جَعَلَ الْخَصْمُ التَّخْيِيرَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِخْلَافِ حَتَّى سَوَّى بَيْنَ التَّخْيِيرِ فِي رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَشَاهِدٍ مَعَ يَمِينٍ، وَالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ أَبْطَلَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي التَّخْيِيرِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ أَوَّلًا كَالْغُسْلِ مَثَلًا، وَكَالْوُضُوءِ إلَّا أَنَّ الْخَلَفَ جُعِلَ كَأَنَّهُ عَيْنُ ذَلِكَ الْأَصْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ فَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِخْلَافُ نَسْخًا بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ

الصفحة 75