كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

الْبَاقِي فِي الْأُخْرَى قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي فَسْخِ النِّكَاحِ بِالْعُيُوبِ الْخَمْسَةِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا فَسْخَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ حَقُّ الْفَسْخِ ثَابِتٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا فَالْفَسْخُ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْ هَذَا بِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَعِنْدَ الْبَعْضِ غَسْلُ الْمَخْرَجِ فَقَطْ وَاجِبٌ، وَعِنْدَ الْبَعْضِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَاجِبٌ فَقَطْ فَشُمُولُ الْعَدَمِ أَوْ شُمُولُ الْوُجُودِ قَوْلٌ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَأَيْضًا الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ عِنْدَنَا لَا مَسُّ الْمَرْأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَسُّ نَاقِضٌ لَا الْخُرُوجُ فَشُمُولُ الْوُجُودِ أَوْ شُمُولُ الْعَدَمِ ثَالِثٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
(وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْحَقُّ هُوَ التَّفْصِيلُ) ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ اسْتَلْزَمَ إبْطَالَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُهُ، وَإِلَّا جَازَ مِثَالُ الْأَوَّلِ الصُّورَتَانِ الْأُولَيَانِ فَإِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْأَشْهُرِ قَبْلَ الْوَضْعِ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ إمَّا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ وَضْعُ الْحَمْلِ فَهَذَا يُسَمَّى إجْمَاعًا مُرَكَّبًا، فَمَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ، وَهُوَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَشْهُرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ اتِّفَاقُ الْفَرِيقَيْنِ وَاقِعٌ عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الْجَدِّ، وَمِثَالُ الثَّانِي الْأَمْثِلَةُ الْأَخِيرَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ صُورَةٍ إلَّا مُخَالَفَةُ مَذْهَبٍ وَاحِدٍ لَا مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَلَوْ كَانَ مِثْلُ هَذَا مَرْدُودًا يَلْزَمُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ وَافَقَ صَحَابِيًّا، أَوْ مُجْتَهِدًا فِي مَسْأَلَةٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَافِقَهُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ إجْمَاعًا.
فَإِنَّ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبْلَ الْوَضْعِ، وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ حِرْمَانِ الْجَدِّ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ عِلَّةِ الرِّبَا فَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّالِثَ إنْ كَانَ قَوْلًا بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ كَانَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ، وَإِلَّا فَلَا إذْ لَمْ يَقَعْ اتِّفَاقُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْجِنْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ قَوْلِهِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ يَعْنِي لَا قَائِلَ بِأَنَّ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ مِنْ كَوْنِ عِدَّةِ الْحَامِلِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَمِنْ انْتِفَاءِ حَجْبِ الْمَحْرُومِ مُنْتَفٍ بِإِجْمَاعِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرِهِ أَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ الْجُزْءَ الثَّانِيَ أَعْنِي: انْتِفَاءَ الْحَجْبِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ الْحَجْبَ ثَابِتٌ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ أَعْنِي: كَوْنَ الْعِدَّةِ بِوَضْعِ الْحَمْلِ مُنْتَفٍ لِكَوْنِهَا بَعْدَ الْأَجَلَيْنِ، وَالْمُرَكَّبُ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الضِّمَارِ) هُوَ الْمَالُ الْغَائِبُ الَّذِي لَا يُرْجَى فَإِنْ رُجِيَ فَلَيْسَ بِضِمَارٍ، وَقِيلَ هُوَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ.
(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ) تَقْرِيرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنْ اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ هُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَإِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ يَكُونُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ وَاحِدًا بِالْحَقِيقَةِ أَوْ كَانَ وَاحِدًا لَكِنْ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَإِحْدَاثُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ لَا يَكُونُ إبْطَالًا لِلْإِجْمَاعِ وَعِنْدَ تَقْرِيرِ هَذَا الضَّابِطِ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي أَنَّ أَيَّ مَوْضِعٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ

الصفحة 86