كتاب شرح التلويح على التوضيح (اسم الجزء: 2)

- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرُ مَفْهُومِ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذِهِ الْغَيْرِيَّةُ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الْعَطْفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] مَعَ أَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ عَيْنُ إطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] لَكِنَّهُ غَيْرُهُ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ.
(وقَوْله تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] الْآيَةَ وَالْخَيْرِيَّةُ تُوجِبُ الْحَقِّيَّةَ فِيمَا اجْتَمَعُوا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا كَانَ ضَلَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأُمَّةَ الضَّالِّينَ لَا يَكُونُونَ خَيْرَ الْأُمَمِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْأَمْرِ بِشَيْءٍ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَعْرُوفًا، وَإِذَا نَهَوْا عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُنْكَرًا، فَيَكُونُ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وقَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ} [البقرة: 143] وَالْوَسَاطَةُ الْعَدَالَةُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] وَكُلُّ الْفَضَائِلِ مُنْحَصِرَةٌ فِي التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، فَإِنَّ رُءُوسَ الْفَضَائِلِ الْحِكْمَةُ، وَالْعِفَّةُ وَالشَّجَاعَةُ، وَالْعَدَالَةُ فَالْحِكْمَةُ نَتِيجَةُ تَكْمِيلِ الْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَهِيَ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْجَرْبَزَةِ وَالْغَبَاوَةِ، فَتَوَسُّطُهُ أَنْ تَنْتَهِيَ الْقُوَّةُ الْعَقْلِيَّةُ إلَى حَدٍّ يُمْكِنُ لِلْعَقْلِ الْوُصُولُ إلَيْهِ، وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي وَجَبَ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَمَّقُ فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ التَّعَمُّقُ كَالتَّفَكُّرِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ، وَالتَّفْتِيشِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ، وَالْقَدَرِ، وَالشُّرُوعِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ فِي الْمَبْدَأِ وَالْمُعَادِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْفَلَاسِفَةِ.
وَالْعِفَّةُ هِيَ نَتِيجَةُ تَهْذِيبِ الْقُوَّةِ الشَّهْوَانِيَّةِ، وَهِيَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلنَّاطِقِيَّةِ لِيَكُونَ تَصَرُّفَاتُهَا بِحَسَبِ اقْتِضَاءِ النَّاطِقِيَّةِ لِيَسْلَمَ عَنْ اسْتِعْبَادِ الْهَوَى إيَّاهَا وَاسْتِخْدَامِ اللَّذَّاتِ. وَإِفْرَاطُهَا الْخَلَاعَةُ، وَالْفُجُورُ أَيْ: الْوُقُوعُ فِي ازْدِيَادِ اللَّذَّاتِ عَلَى مَا يَجِبُ، وَتَفْرِيطُهَا الْخُمُودُ أَيْ: السُّكُوتُ عَنْ طَلَبِ اللَّذَّاتِ بِقَدْرِ مَا رَخَّصَ فِيهِ الْعَقْلُ وَالشَّرْعُ إيثَارًا لَا خِلْقَةً فَالْأَوْسَاطُ فَضَائِلُ، وَالْأَطْرَافُ رَذَائِلُ، وَإِذَا امْتَزَجَتْ الْفَضَائِلُ الثَّلَاثَةُ حَصَلَتْ مِنْ امْتِزَاجِهَا حَالَةٌ مُتَشَابِهَةٌ هِيَ الْعَدَالَةُ، فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ عَبَّرَ عَنْ الْعَدَالَةِ بِالْوَسَاطَةِ، وَإِلَيْهِ أُشِيرَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» ، وَالْحِكْمَةُ فِي النَّفْسِ الْبَهِيمِيَّةِ بَقَاءُ الْبَدَنِ الَّذِي هُوَ مَرْكَبُ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ لِتَصِلَ بِذَلِكَ إلَى كَمَالِهَا اللَّائِقِ بِهَا وَمَقْصُودِهَا الْمُتَوَجِّهَةِ إلَيْهِ.
وَفِي السَّبُعِيَّةِ كَسْرُ الْبَهِيمِيَّةِ وَقَهْرُهَا وَدَفْعُ الْفَسَادِ الْمُتَوَقَّعِ مِنْ اسْتِيلَائِهَا، وَاشْتُرِطَ التَّوَسُّطَ فِي أَفْعَالِهِمَا لِئَلَّا تَسْتَبْعِدَ النَّاطِقَةُ فِي هَوَاهُمَا، وَتَصَرُّفَاتهمَا عَنْ كَمَالِهَا وَمَقْصِدِهَا وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ بِفَارِسٍ اسْتَرْدَفَ سَبُعًا وَبَهِيمَةً لِلِاصْطِيَادِ فَإِنْ انْقَادَ السَّبُعُ، وَالْبَهِيمَةُ لِلْفَارِسِ وَاسْتَعْمَلَهُمَا عَلَى مَا يَنْبَغِي حَصَلَ مَقْصُودُ الْكُلِّ بِوُصُولِ الْفَارِسِ إلَى الصَّيْدِ، وَالسَّبُعِ إلَى الطُّعْمَةِ، وَالْبَهِيمَةِ إلَى الْعَلَفِ، وَإِلَّا هَلَكَ الْكُلُّ، فَقَوْلُهُ: النَّفْسُ الْحَيَوَانِيَّةُ أَرَادَ بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبَهِيمِيَّةِ وَالسَّبُعِيَّةِ.
وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ نُفُوسٌ مُتَعَدِّدَةٌ أَمْ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالِاعْتِبَارَاتِ أَمْ قُوًى، وَكَيْفِيَّاتٌ لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ

الصفحة 97